بيان وعريضة: العالم يتنبّه للتحالف بين فصائل إيران وقضاء العراق

 

بغداد- العراقتايمز: "الأمر مدهش في العراق ... الجماعات المسلحة المتهمة بجرائم حرب واغتيالات وإرهاب تتصدر حملة مساندة رئيس القضاء!" تقول مسؤولة منظمة حقوقية بريطانية معنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، أثناء تسجيلها شهادة أحد ضحايا الملاحقة المزدوجة من رئيس القضاء وحلفائه في الفصائل الإيرانية.

 

بيان وعريضة

لفتت عريضة "بيان 3 حزيران" - التي وقعها بداية 266 صحافياً ومثقفاً عراقياً، وارتفع العدد لاحقاً إلى أكثر من 2000- أنظار الجهات الدولية، فخطورة سياسات القضاء باتت مسألة عابرة لملف حرية التعبير الذي يعده كثيرون شأناً كمالياً.

بيان حزيران (يونيو) كان أول تجربة للمجتمع المدني وصناع الرأي بعد أحداث تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وما تلاها من تصفية وتهجير أو شراء رموز الاحتجاج، كما أنها المرة الأولى التي يتشجع فيها النشطاء لمواجهة رئيس مجلس القضاء فائق زيدان.

 

بعَثَ العديد من الموقعين رسائل إلى عشرات المنظمات الدولية المعنية، لا سيما في بريطانيا التي يلمّح زيدان إلى أنه يحظى بدعم سلطتها القضائية، وتلقى الموقعون أيضاً اتصالات للاستفهام وتوثيق دور القضاء في التعتيم على جرائم الاغتيال، وطبيعة علاقته بالأجنحة الإيرانية المتشددة.

 

"نيران حرق" صديقة!

شنّ زيدان منذ مطلع حزيران (يونيو) الجاري أعنف حملة ملاحقة وتهديد ضد الإعلاميين غير المنتمين لأوساط السلاح الإيرانية، انتقاماً لانتقاد مألوف، صدر من ضيف على شاشة التلفزيون الرسمي ضد التماهي بين القضاء ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.

لكن الحملة المتزامنة بين الفصائل وزيدان جاءت بعد أيام قليلة على طرح اسمه مرشحاً لتولي كل السلطات وفق سيناريو متداول، يحاكي أحداث حملة "تمرد" في مصر، التي تسلم بموجبها القاضي عدلي منصور السلطة، وربما بدأ يتساءل الرجل، عن الجهة المستفيدة من جره للصدام -بالنيابة- مع الوسط الوطني المناهض للهيمنة الإيرانية، المُثخن أصلاً بجراح الاغتيالات والتهجير والتعتيم على القتلة؟.

 

زيدان يبارز بسيف الخشب

بعد توقيع عريضة حزيران (يونيو)، استنجد زيدان بشخصيات محسوبة على الفصائل، والتقط صورة إلى جانب الناطق باسم حزب أسسه قيادي -مستقيل بزعمه- في جماعة "كتائب حزب الله"، في رسالة ضمنية إلى أن القاضي يتحدى منتقديه ويستقوي بخلايا الإعلام الإيراني في العراق للذود عنه، وهي تجربة قام بها سلفه القاضي مدحت المحمود، حين نشر صورة مع "أبو مهدي المهندس" رداً على الاستياء الشعبي من القضاء بعد حراك العام 2016.

ويعتقد كثير من المسؤولين أن نشر صور مع شخصيات على صلة وثيقة بإيران، يمنحهم شيئاً من الحماية.

 

ظهر زيدان في صورته الاستعراضية، على بعد 3 أمتار من شخص هدد علناً بقصف "المقاومة" لسفارات الولايات المتحدة ودول الخليج وبريطانيا، وهو ما يعاقب عليه قانون مكافحة الإرهاب، وفق المادتين 2 و 4 بالإعدام، لكن قوانين زيدان لا ترى هذا المتهم، كما أنها لا ترى شيئاً خارقاً للقانون في مجالسة رئيس القضاء لزعيم جماعة مسلحة متهمة بمختلف الجرائم. والقاضي الذي لم تخدش ذاته كل المجازر في عهده وعلى مرآه، ولم يحرك دعوى ولا كتب بياناً ضدها، عاد ليصدر 4 تعليقات وأوامر قبض متتالية حين تم المساس به وبخامنئي.

 

الاشتباك القانوني

يطلب رئيس القضاء الآن من الإعلاميين "التهدئة وإشاعة المحبة"، فردود الفعل التي صاحبت إعلانه الانحياز المفضوح لمسلحي فصائل إيران، جاءت معاكسة لما كان يتوقع ويشتهي، وظهر أن الإغراءات التي وضعها الإيرانيون في أذن زيدان بُنيَت على حسابات خاطئة. وحاول الرجل خلال الساعات الماضية أيضاً ترقيع الأزمة عبر لقاءات مع شخصيات على صلة بالإعلام والسلطة، معتقداً أن في إمكانه استخدام طريقة المسؤولين الموالين لإيران، في الإرعاب والفتك بالجملة، ثم الطمأنة بالمفرد، لكن السيف سبق العذل.

 

في مسارٍ موازٍ للمواجهة الإعلامية التي مثلها "بيان 3 حزيران"، بدأ نواب مستقلون ومن الحركات الناشئة، حراكاً لمواجهة قانونية، تستهدف تجريد زيدان من سياطه، عبر تعديل المواد القانونية الموروثة من العهد الديكتاتوري، والتي يستخدمها القضاء وحلفاؤه الإيرانيون في ملاحقة المعارضين.

 

 

يواصل عشرات النواب توقيع طلب موحد لتعديل قوانين عدة، من بينها قانون مجلس القضاء نفسه، ويتنامى تصوّر لدى قوى عديدة، يشير إلى أن أي تغيير سياسي مقبل يجب أن يشمل رئيس القضاء الذي عشش في منصبه لـ 5 أعوام، وبدأت تراوده طموحات التأبيد التي عبّر عنها حين غادر التغاضي عن جرائم حلفاء إيران، وبدأ التطوّع لخدمتهم علناً.

 

ويعد النواب أيضاً ورقة تلاحق الخروقات الواضحة التي ارتكبها زيدان، في حديثه أو صمته، كما في إصداره بيانات قضائية مخالفة للقوانين، هاجم واتهم عبرها مجتمع الإعلاميين المناهضين للنفوذ الإيراني، وقال إن "ثمة شبكة صحافيين" تتولى مهاجمته، وبما تعنيه تلك العبارة من مطاطية، تسمح له بتعبئة أي اسم لا يعجبه داخل تلك الشبكة.

 

أوامر قبض كاتمة للصوت

ينطلق زيدان في سلوكه وبياناته من عقلية المؤامرة ذاتها التي ينطلق منها المعسكر الولائي في تقييمهم للحراك المناهض للهيمنة الإيرانية، وتتشابه مفردات الطرفين حدّ التطابق، كما في اعتقاد زيدان أن ثمة مؤامرة تديرها "شبكة صحافيين مرتبطين بالخارج"، لكنه ليس التشابه الوحيد، فكما استخدمت فرق الموت الموالية لإيران المسدسات كاتمة الصوت لتنفيذ جرائمها بصمت، يستعير زيدان أيضاً تلك التقنية، عبر أوامر قبض غير معلنة.

 

"لا يمكنك معرفة ما إذا كنت مطلوباً لقضاء فائق زيدان أم لا، إلا حين يُقبض عليك في مطارٍ ما" يقول نشطاء تحدثوا عن استغلال زيدان سلطاته لإصدار أوامر اعتقال من دون تبليغ المتهمين، وتفاجأ صحافيون أن أوامر اعتقال صدرت بحقهم قبل 6 أشهر أو أكثر من علمهم بها، كما يسرب قضاة مستاؤون من زيدان، أنباء صدور أوامر قبض صامتة بحق عشرات النشطاء، يحتفظ بها زيدان كـ"كمائن"، لتحريكها في التوقيت الذي يختاره.

 

القصة بدأت للتو

نجح زيدان طيلة عامين بتفادي الرقابة الشعبية والحقوقية، لكن سلوكه وانحيازاته أصبحت ابتداءً من حزيران (يونيو) محط مراقبة النخب والمغتربين والمنظمات الدولية، التي انتبهت إلى مفارقة غريبة، حيث يعيش العراقيون تحت مطرقة قاضٍ، جلّ جمهوره ومحبيه من القتلة، ومعظم ضحاياه من الضحايا!.

 

ويعود النضال لإصلاح القضاء وانتزاعه من قبضة إيران والفساد إلى أكثر من 7 أعوام، وقد نجح ضغط الحراك بالفعل في استبدال الرئيس السابق للقضاء بعد أكثر من عقد في المنصب.

يتعايش العراقيون موقتاً مع فكرة وجود أجهزة حكومية باتت في قبضة إيران رسمياً، لكن القضاء لا يمكن أن يكون أحدها. وإذا كان قائد القوة الجوية الإيرانية علي زاده، قد وضع خلفه علم قوات "الحشد الشعبي" العراقية، قبل عامين إلى جانب رايات "حزب الله" اللبناني و"الحوثيين" و"الحرس الثوري"، فإن علم القضاء العراقي لا يمكن أن ينضم إلى تلك المقتنيات الإيرانية.

 

للقضاء مهمات تقع في قلب حراك طويل للتحرر العراقي، أما رئيسه الذي يواجه صعوبة في تفهم صعود الروح الوطنية العراقية ومجاراتها، فهو مستمر بالاعتماد على الخلايا الإيرانية، الأمر الذي يقربه من مصير سلفه، سواء هدد العراقيين عبر التقاط صور مع عناصر "كتائب حزب الله"، أو صديقه إبراهيم رئيسي أو حتى مع خامنئي.