كنا صغارا ولم نكن نعرف بعد معنى كوننا كوردا في مدينة لم نر قبلها سماء غير سمائها،ولم نستنشق من قبل هواء غيرهوائها، ولم نعرف معنى للهيب النار من قبل سوى لهيب نيران "باباكوركور"ها، ولم نسمع اغنية بلغة اخرى غير لغة "علي مردان"ها، وفجأة اصبحنا امام "عفاريت" ارادت ان تقنعنا بالقوة الغاشمة بان كل تلك المشاعروالحقائق انما هي لعنات وليست بركات.
قبيلة العفاريت ارادت ان تسرق منا احاسيسنا ، وتغرقنا في هجين مشاعر كاذبة ، فعلت من اجل ذلك المستحيل ، لكنها فشلت في ان تمس فينا جوهر قناعاتنا ، او ان تعتم على نور بصائرنا.
لما كبرنا احسسنا ، انهم يريدون ان يقنعونا بعكس الصورة التي عشناها، ارادوا ان يقنعونا بالصورة المزورة المفضوحة التي صنعتها مخيلتهم الفاشية ، ارادوا ان يقنعونا بأن الغرباء هم نحن، اي ، ارادوا ان يدخلوا في قلوبنا الصورة المعكوسة تماما في اننا غرباء عن سمائنا ، غرباء عن الهواء الذي استنشقناه اول صرختنا ، غرباء عن لهيب نيراننا الازلية التي اسست لجوهر ذاكرتنا ومعنى وجودنا ككورد ..ارادوا ان يملوا علينا ذاكرة سقيمة ، ذاكرة مشردين ، وشذاذ افاق ، وعلى اساس انهم منحونا سقف الامان عطية وعلينا ان نشكرهم على اكذوبة تزويرهم..
كبرالكورد الكركوكيون مع المأساة، ومع ترهات تاريخ مصطنع في اقبية السياسات الفاشية ، التي كانت تسّيل الدماء من دون حساب ، كي تجعل من الاسود ابيض ومن الحق باطلا ، و تغطي وجه الشمس بغربال التزوير والتضليل، لكي يلبسوا "الحقيقة ..الاكذوبة" لباسا خيطوها على وفق مقاساتهم العنصرية ، في اكبر عملية سرقة في التاريخ للذاكرة القومية لشعب ، وذلك عندما ارادوا تغيير لغة وتاريخ و جغرافية كركوك ، الى غير لغتها وغير تاريخها وغير جغرافيتها.
وهكذا صارت اكثر القصص انحطاطا في عالم التزوير والسرقات ، المادة الاساس لصراع يتعلق بمصير امة وحياة شعب، وليقف الطرف الاخر ، متشبثا بالقصة المضللة وهي تعرف جيدا ان النفط وحده هو الذي ارتكب صنع القصة الكئيبة في معنى كركوك وانتمائها المزور الذي كتب في اقبية مخابرات الدولة العراقية منذ ان تم اكتشاف اول بئر نفط في اطراف المدينة الضحية ، وان مقدمة القصة وسيناريوهاتها كتبت عندما قررت الحكومة العراقية شق مشروع ري "الحويجة" لتمنح اراضي الكورد الكاكائية والداودة وغيرهم الى "الوافدين" ، هذه هي الحقيقة التي ربما تؤلم البعض ، والجقيقة تؤلم دائما ، لكن المفروض ان تكون لدى الحكومة العراقية الحالية الشجاعة الكافية للاعتراف بالغدر الذي الحق بالعشائر الكوردية التي كانت تسكن تلك المنطقة حينها و قبل شق المشروع المذكور ، لا ان تجعل تلك الحالة غير المشروعة اساسا لتكريس مواقفها من الحقيقة المغدورة ومن المادة 140 التي بدونها ايضا لن تتغير الحقيقة الثابتة بكوردستانية محافظة كركوك ، مع التأكيد ان مشروع الحويجة في وقته كان مقدمة لسياسة كانت تهدف فقط الى تغيير الخريطة الديموغرافية والقومية لسكان محافطة كركوك ..
وكبرت الاجيال الكوردية في كركوك ، وباتت تعلم الان جيدا ، لماذا تم تزوير حقيقة انتماء كركوك الى محيطها الكوردستاني ، وباتت تعلم لماذا كان الكورد هم المستهدفون دائما ، ولماذا دفعت العشرة الاف دينار المشؤومة الى الوافدين الى المدينة الضحية ، ولماذا جرى كل ذلك القتل العام ضد السكان الاصليين الكورد منذ بداية ستينيات القرن الماضي؟ ولماذا طردت الالاف من العوائل الكوردية من بيوتها ، و تم "فرهدة " حتى احذيتهم؟ ولماذا تم تفجير منازل الكورد بالديناميت في شورجة كركوك ..؟
مسألة ان يجعل بعض من يحكمون العراق الان اساس الصراع مع حكومة بغداد "تلك السياسات التزويرية في المناطق الكوردستانية خارج الاقليم" انما هو ضحك على الذقون ، وتكريس للتزوير الذي تم في كركوك منذ بدايات تاسيس الدولة العراقية .. وهذه السياسة ما زالت مستمرة وترمي الى خلق وترسيخ ثقافة قبول ما تم في الماضي ، وعلى اساس ذلك التزوير يستمرون في موقفهم غير المنصف وغير العادل في اختلاق المشاكل امام اعادة كركوك الى حاضنتها الكوردستانية الاصيلة..
ان استمرار سياسات تزوير الحقائق في الحكومة والبرلمان العراقي ، وجعلها المرتكز لسياساتها مع حكومة اقليم كوردستان لن يغير لا من التاريخ ولا من الجغرافيا ايضا، ولن يجد اية ارضية تقبل باستمرار لعبة تكريس سياسات التزوير السابقة كحل لازمتها مع الكورد عموما ومع قيادتها السياسية.
|