فوجيء الجميع بقرار محكمة النزاهة بغلق ملف دعوى الأسلحة الروسية لعدم كفاية الأدلة، وفق المادة 130/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.ومع صدور هذا القرار حتى تضاربت ردود الفعل مابين مرحبه ومابين معارضة بدون ان يكلف احد نفسه ان ينظر الى حيثيات القرار ولماذا صدر وعلى اي اساس ولماذا قرر قاضي التحقيق غلق التحقيق. لذلك فلنبدأ بقراءة متأنية لهذا القرار مااسبابه وما خلفيانه واول ما سنتجه له هو المادة التي صدر على اساسها القرار اي المادة 130/1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي نصت على () اذا وجد قاضي التحقيق ان الفعل لا يحاسب عليه القانون ( الفعل لا يشكل جريمة ) اي عدم وجود عنصر جزائي فيما نسب الى المتهم فيقرر هنا رفض الشكوى وغلق التحقيق نهائيا ) فالقاضي في هذه الحال نظر في ما قدم له من اوراق فلم يجد فيها جريمة لعدم وجود عنصر جزائي وهذا هو الراي الشخصي للقاضي الذي لا سلطان عليه الا لحكم القانون حسب ما نص عليه الدستور العراقي لسنة 2005 اذن للحكم على قرار القاضي يجب النظر الى الارواق التي تم تقديمها للقاضي للحكم على قراره . استنادا الى القانون رقم 30 لسنة 2010 (قانون هيئة النزاهة ) ان التحقيق في جرائم الفساد هو مهمة محققي الهيئة الذين برتبطون بقاضي التحقيق ويتعامل قاضي التحقيق مع محقق الهيئة كمحقق المحكمة وفق قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ والذي نص بموجب الفقرة ٥١ منه على ان يتولى التحقيق الابتدائي قاضي التحقيق وكذلك المحققون تحت اشراف قضاة التحقيق اذن فمحققي هيئة النزاهة هم المسؤولين عن تقديم الاوراق الى القاضي ليقوم اصدار قراره ولا يؤثر ذلك على حرية القاضي في توجيه عملية التحقيق باعتبار انه في مجال القانون الجزائي فأن السلطة القضائية هي التي تسعى الى جمع الادلة باستخدام الوسائل المتاحه له ومن ضمنها المحققين الذين يعملون تحت اشرافه كون واجب قاضي التحقيق هو استخلاص أمور خافية من أمور ظاهرة باستخدام وسائل الاستعلام اي جمع المعلومات المتوافرة لدى الآخرين والاستجواب اي المساءلة الماهرة للمشتبه فيهم أو الشهود واستجماع الآثار المادية اي تطبيق أساليب العلوم الطبيعية في تسجيل الآثار المادية للجريمة وضبط من تخلفت منه هذه الآثار .وعليه عند النظر في اي قضية استعمال ملكاته ف الادراك والانتباه والاستنتاج والنقد والحكم مما تقدم يبرز سؤال يجب ان تتم الاجابة عنه على اسس سليمة وعلمية وهو لماذا قرر قاضي النحقيق اغلاق التحقيق رغم ان ماعرضه الاعلام من ادلة تشير بصراحة الى وجود جريمة ؟ في البداية يجب ان نؤكد على ان سمعة القضاء العراقي من ناحية النزاهة والقدرة العلمية هي فوق النقد وفوق المسائلة فالقضاء العراقي صاحب التاريخ الذي يتجاوز السبعة الاف سنة لايجوز التشكيك في نزاهته او علميته لمجرد انه اصدر قرار يخالف رأي شخصي او يضر بمصالح سياسية كونه قضاء يصدر قرارته على اسس من الحرفية والمهنية المشهود بها وان ظهربعض الحالات الشاذه فهي لاترقى الى الطعن بالقضاء العراقي ذي التاريخ العريق . للاجابة على سؤالنا المتقدم يجب ان ننظر الى الخطوات التي يجب على قاضي التحقيق القيام بها عندما يتولى التحقيق في قضية معينة . فمهمته الوصول إلى الحقيقة عبر النتائج التي تتمخض عن مجريات البحث والكشف عن أسباب ونتائج الواقعة التي تم التحقيق عن كيفيتها وكنهها وماهيتها، والكشف عن الحقيقة يستدعي الرؤية الحقة لصورة العدالة المرتسمة في خطى الإجراءات المتخذة طبقا ً لقانون أصول المحاكمات الجزائية، اولى تلك الخطوات هي إثبات وقوع الجريمة . فمتى ما تلقى قاضي النحقيق بلاغاً عن حادث ما ، وجب عليه قبل كل شيء أن يتثبت من وقوع الجريمة ، وأول ما تتجه إليه العناية المحقق البحث عن جسم الجريمة وهو الشيء الذي كان محلا لها ، وهدفاً لارتكابها . وفي الحالة موضوع الدعوى حاول للاسف بعض من رحبوا بالقرار تفسير قرار القاضي على ان الجريمة لم تقع وانها اقتصرت على مفاوضات وان العقد لم ينقذ وهو تفسير بعيد للاسف عن الواقع العلمي بالرغم من ان من اطلقه يحملون شهادات بالقانون بل ان احدهم يسبق اسمه لقب قاضي لانهم تناسوا ان جريمة الرشوة في القانون العراقي تعتبر تامة بمجرد الطلب حسب مانصت عليه المادة 307 من قانون العقوبات العراقي التي جاء فيها (كل موظف او مكلف بخدمة عامة او طلب او قبل لنفسه او لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشيء من ذلك الاداء عمل من اعمال وظيفته او الامتناع عنه او الاخلال بواجباته الوظيفية يعاقب بالسجن لمدة لاتزيد على عشر سنين او بالحبس والغرامة على ان لاتقل عما طلب اواعطى او وعد به) . بل ان المادة 309 اكدت ان احكام المادتين 307 و308 تطبق ولو كان الموظف او المكلف بخدمة يقصد عدم القيام بالعمل او عدم الامتناع عنه وعدم اخلال بواجبات وظيفته. فمجرد طلب الرشوة من قبل الموظف او المكلف بخدمة عامة تعتبر جريمة المرتشي كاملة الاركان حتى لو ان العقد لم يتم. الخطوة الثانية بعد اثبات وقوع الجريمة وكيفية وقوعها وسبب وقوعها هي معرفة الجاني وذلك بالتعمق في التحقيق مع الشخص الذي أشارت إليه الأدلة ، وهي مهمة تقع على عاتق هيئة النزاهة وخصوصا دائرة التحقيقات والتي تتولى القيام بواجبات التحري و التحقيق في قضايا الفساد وفقا لقانون هيئة النزاهة و قانون اصول المحاكمات الجزائية وتقوم الدائرة القانونية في هيئة النزاهة بمتابعة القضايا و الدعاوى التي تكون الهيئة طرفا فيها بضمنها قضايا الفساد التي لايحقق فيها احد محققي الهيئة و تتولى دائرة الوقاية بملاحقة تقديم تقارير الكشف عن الذمم المالية و مراقبة سلامة و صحة المعلومات المقدمة فيها وتدقيق تضخم اموال المكلفين بتقديمها بما لا يتناسب مع مواردهم و اعداد لائحة السلوك . بعد ذلك يأتي دور القاضي في استخدم ملكاته في التحليل والاستنتاج للوصول الى القرار النهائي باستخدام مايمتلكه من مخزون الخبرة والحنكة والدراية في تطبيق فن العملية التحقيقية فن يشير إلى العملية القضائية التي تؤدى بروح الفن في الصبر على استماع ما يقوله كل طرف من أطراف الدعوى ومايتوفر لديه من ادلة وقرائن . اذن لماذا صدر القرار بغلق التحقيق ؟ لقد جرى العمل القضائي على ان قرار قاضي التحقيق يعنمد على ماهو مقدم له من ادلة من قبل المحقق وهو في هذه الحالة محقق هيئة النزاهة والقضاء العراقي لايعتد بالتصريحات الصحفية او ما يقوله الشهود سواء بوسائل الاعلام او امام اللجان التحقيقية غير القضائية مثل اللجان التحقيقية التي يشكلها مجلس النواب وهي ممارسة وان جرى العمل فيها لمدة طويلة الاانها اصبحت غير ملائمة للتعامل مع التطورات في عالم الجريمة فالتصريحات الصحفية وان كانت لاتعتبر ادلة قاطعة الاانها قرائن من الممكن استعمالها من قبل المحقق في استخراج الحقيقة من خلال استنطاق الشهود او المتهمين فلا يتصور ان يقوم المتهمين بالتبرع بقول مايدينهم . كما ان على المحقق استعمال الوسائل العلمية في التحقيق ولكن التدريب الذي يحصل عليه المحققون في هيئة النزاهة مشابه للتدريب الذي يحصل عليه المحققون العدليون في المحاكم الاعتيادية والذي يؤهلهم للتعامل مع كيفية ترتيب الاراق وكتابة اللوائح والتي لاتأخذ بعين الاعتبار النوعية الخاصة من الجرائم التي يتعاملون معها فلم تعد الرشاوى تدفع داخل العراق بل اصبحت ملايين من الدولارات تنتقل عبر التحويلات الاليكترونية خارج العراق ولايملك المحققون بالرغم من كل الجهود التي يبذلوها من تعقبها لانهم لايملكون الاليات التي تؤهلهم من تعقبها وخصوصا اتفاقيات التعاون القضائي مع دول العالم. لذلد فببساطة ان ماحصل هو ان محقق هيئة النزاهة بذل حهده بما يملكه من وسائل محدوده قدم مايملكه الى القاضي الذي اصدر قراره وفقا لما تدرب عليه وماتعلمه من خيرات . مما تقدم نرى ان المشكلة الاساسية هي في طريقة التعامل مع مثل هذه الجرائم والتي تطورت في وسائلها ولكن للاسف لم يتم تطوير وسائل مكافحتها من حيث تدريب المحققين في هيئة النزاهة او في خلق بيئة قضائية جديدة تتيح للقاضي المختص الحرية في التحرك والتعامل مع الوسائل الحديثة في مكافحة الجرائم العابرة للقارات مثل جرائم الفساد المالي والاداري كون الوسائل التي تم تعلمها من كبار الاساتدة السابقون لم تعد ملائمة للتعامل مع نلك الجرائم فكيف يمكن للقاضي اثبات وجود تضخم في ارصدة شخص معين في حين ان تلك الارصدة خارج العراق وحتى خارج قارة اسيا المشكلة الثانية التي يواجهها القاضي هو الحصانات والحمايات التي يتمتع بها بعض الاشخاص فكيف للقاضي ان يثبت حصول جريمة طلب الرشوة اذا كان اسندعاء احد الشهود يتطلب موافقات واجراءات طويلة لايتمكن حتى مجلس القضاء من تجاوزها ناهيك عن قاضي التحقيق الذي يوجد على جدول عمله الومي اكثر من ستين قضية يجب ان ينظرها ويحقق فيها وبتخذ قرار فيها بمعدل 15 دقيقة للقضية الواحده . ومايؤسف له اكثر ان الفاسدون اكثر من يدركون ذلك وبهذا اصبح احالة اي ملف من الملفات الكره الى القضاء مصدر راحة للمتهمين لادراكهم القيود على العمل القضائي بل ان الامر يثير الريبة في ان هناك من يحاول ابقاء تلك القيود على العمل القضائي لاتاحة الفرصة امام الحيتان الكبيره للهروب من يد العدالة . لكن هل قرار قاضي النحقيق نهائي ؟ الجواب كلا لان قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23لسنة 1971 وتعديلاته وبخاصة المادة (249) في فقرنها (أ) حددت الأشخاص الذين يحق لهم الطعن تمييزاً في الأحكام والقرارات وهم (الادعاء العام، والمتهم، والمشتكي، والمدعي المدني والمسؤول مدنيا...) ولكن بدون النهوض بالعمل القضائي والتحقيقي تبقى الاحالة الى القضاء احدى الوسائل للتهرب من يد العدالة . |