مقال مهم لاسماعيل مصبح الوائلي .... هيهات منا الذلة .. مفترق طرق بين شيعة العراق ومسيرة الاصلاح

يختزل الفكر الجمعي الشيعي، الثورة الإصلاحية للإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، في كربلاء المقدسة عام 61هـ، بمقولة حماسية، اصبحت شعارا إصلاحيا، وكانت نبراسا مضيئا لكل الأحرار الذين لا يرضخون للظلم ولا يستسلمون لسلطة الظالم، في اي وقت كان.
ونقل لنا عن صديقنا (أبا رعد) حسين جبر الساعدي، أن الله سبحانه وتعالى الهمه في الوصول لحقيقة ما يعانيه الغالبية العظمى من أتباع مذهب أهل بيت النبوة في العراق، من ذل وإحتقار وإهانة، مترافقة مع محن وكوارث وويلات يعيشها البلد طوال تاريخه الماضي، فهو يقول: مع أقتراب بدء مراسم إحياء إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) بدأت الرايات السوداء تعلو السطوح والمنازل، وبدأت البصرة تتشح بالسواد السنوي حزنا على ما أصاب سيد شباب أهل الجنة وخامس اصحاب الكساء، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولكن عندما أرى شعار الحسين الذي اصبح قاعدة واساسا لتغيير كل باطل وظلم وطغيان، وهو شعاره (عليه السلام) "هيهات منا الذلة"، أجدني ــ والكلام للاخ حسين جبر ــ واقع في تيه عميق، فعلى الرغم من أن هذا الشعار يزين منازلنا، وتلهج به السنتنا ليلا ونهارا، إلا أننا نعيش في ذل ومهانة لا حدود لها، فلا كهرباء ولا ماء ولا أمن ولا أمان، والفساد اصبح الصفة الملازمة لجميع مؤسسات الدولة في العراق، ورجل الامن والاحزاب الحاكمة اصبح عملها الاساسي هو الابتزاز وفرض الاتاوات على التجار والمقاولين ورجال الاعمال حتى وصل الأمر إلى فساد القضاء.
أن كلام الاخ حسين جبر، يشير صراحة ومباشرة لقلب المأساة التي يعيشها شيعة العراق اليوم، الذين يدعون أنهم يسيرون على نهج الإمام الحسين (عليه السلام) في مقارعة الظلم والظالمين والسير على طريق الشهادة والتضحية، ولكنهم في ذات الوقت يساندون الظلمة ويسكتون عليهم وعلى ظلمهم المنظم، الذين خططوا له في أقبية المخابرات البريطانية ومراجعها الدينية الموالية لها، كمرجعية السيستاني، من أجل السير بشيعة العراق نحو التدجين والتسطيح، وضمان خضوعهم وخنوعهم وطاعتهم لمندوب بريطانيا السامي (السيستاني) الذي فضل العيش في قصره العاجي بعيدا عن الناس، فضلا عن خضوعهم لكلبها المدلل نوري المالكي. 
لقد كان شعار الإمام الحسين في معركة الطف بكربلاء، ضد الجيش الأموي الظالم والمنصب من قبل الدولة البيزنطية، "هيهات منا الذلة"، والتي أطلقها سيد شباب أهل الجنة في العاشر من محرم الحرام في خطبه له، جاء في مطلعها: "تباً لكم أيها الجماعة وترحاً. . ."، فعندما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) إصرار مرتزقة الجيش البيزنطي على إرغامه على الاستسلام والبيعة في ذلك اليوم ليزيد أبن معاوية أبن ابي سفيان، أعلن رفضه قائلا: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة، أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".
هذا الشعار الاصلاحي الحركي تحول إلى نظرة للحياة، اعطت الإنسان في كل مكان وزمان، درسا يجعله على مفترق طريقي الحياة، إما أن يكون ذليلا أو أن يسير في طريق الشهادة والعزة، وقد أختار الإمام الحسين (عليه السلام) طريق الشهادة والعزة. 
لقد اراد الحسين (عليه السلام) في شعاره وخطبته هذه التأكيد على أن يزيد أبن معاوية "قاتل النفس المحترمة، وسارق لبيت المال، ولا يؤمن باختيار الجماهير لقائدها بل اخذ البيعة عنوة، مقرب عشيرته من الحكم حتى اصبحت الخلافة باسم بني أمية، ناهيك عن الفسق والفجور الذي كان يلازمه ليل نهار"، وهي من صفات العاصين الظالمين الفاسدين في الارض، وبالتالي فبيعته دخول في المعصية، وكذلك نجد إن الإمام الحسين (عليه السلام) يقول عن بيعة يزيد "ومثلي لا يبايع مثله"، فالمؤمنين لا يبايعون العاصين، لأن هذه البيعة هي قبول بالمعاصي، وبالتالي فهي المعصية بعينها، يلحقها الذل المتأتي عن المعصية والقبول بها وبأهلها. 
وحين يقول سيد الشهداء (عليه السلام): "لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد"، أراد (عليه السلام) التأكيد على ذل المعصية، فالعاصي لله يكون ذليلاً دائماً، ويصبح لديه الاستعداد الكامل لبيعة أهل المعاصي، والعاصي لا يتورع عن مصاحبة أهل المعصية، فقبوله بالمعاصي سيسهل له القبول بطاعة العاصين، والإقرار بهم كأي عبد من عبيدهم. أما الأحرار، فهم أهل العزة، وهم أهل الطاعة لله. 
والواقع إن هذه المفاهيم الاصلاحية التي رسخها الإمام الحسين بدمه الطاهر وثورته الإصلاحية، حاضرة في الذهن الجمعي الشيعي ويتم ترديدها بكثرة بالتزامن مع أحياء المراسم العاشورائية في محرم، والكثير منا تراه يطبع هذا الشعار على قماش بطباعة فاخرة، إما أن يرفعه علما بارزا أو عصابة يلف بها رأسه، تأكيدا منه على أنحيازه للطريق الذي سار عليه الإمام الحسين (عليه السلام) وهو طريق الشهادة والعزة ومفارقة طريق الذل والهوان وقبول المعاصي. 
والمفارقة أن ذات هؤلاء الذين يجتهدون في ترديد مقولة "هيهات منا الذلة" طوال موسم إحياء المراسم العاشورائية، يعيشون في ذل فرضه عليهم قبولهم بسلطة العاصين (حكومة نوري المالكي)، والتي جلبت لهم الذل لقبولهم بسلطة العاصين. 
فالعراقيون الذين يهتفون بهذا الشعار الثوري يعيشون واقعا مؤلما، حيث لا كهرباء ولا ماء نظيف، ولا حياة آمنة ولا مستقبل لهم ولأطفالهم، ولا حقوق مدنية، ولا قضاء مستقل، فضلا عن أنتشار الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة، وتسيس المؤسسات التعليمية وأنحدار مستويات التعليم إلى أدنى مستوياتها. 
يروى عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعند أستيلاء جيش معاوية بن ابي سفيان على الماء في حرب صفين، وبعد أن نضب الماء لدى اصحابه، ورؤيته أصحابه أنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من تأييد العاصي والغاصب للسلطة والعيش في الذل والهوان وترك طريق العزة والشهادة، خطب فيهم وحرضهم على إرواء سيوفهم من دم العدو حتى يتاح لهن الارتواء بالماء، قائلاً: "فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين". 
أن الشخصية التي تجتهد في ترديد الشعار الحماسي للإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء الشهادة والتضحية، بأعتباره الإمتداد الطبيعي لهذه الثورة، بحاجة لإرواء روحه وسيفه بدم معارضة سياسات المتفرد بالسلطة اليوم في العراق، حزب الدعوة، والذي اصبح وسيلة الصهيونية ليكمل اليوم تدمير ما تبقى من البلد خدمة لأسياده البريطانيين والأمريكان، وإخضاع المواطن العراقي للمزيد من الذل والهوان، وأنتزاع ما تعلق في روحه من معاني ومفاهيم الثورية الحسينية في داخله، لإجباره على السير في طريق تأييد الظالم وترك طريق الشهادة والعزة. 
فالموالي الحقيقي وحتى يتمكن أن يعيش كما أراد الإمام الحسين بعزة وشرف، عليهم أن يذوبوا في المنهج الحماسي الحسيني، ليكونوا كما أرادهم الإمام الحسين أن يكونوا عليه، وليس ما أرادتهم الدولة البيزنطية التي تسير وتحرك يزيد ومعاوية سابقا، وحزب الدعوة الذي تحركه بريطانيا حاضرا، أن يكونوا عليه.