الاعلام العراقي والصحافة الاستقصائية

 

الوضع العراقي بما يحمل من تعقيدات كثيرة وشائكة على المستويات كافة، يتقدمها الوضع السياسي واجوائه التي ادمنت التلبد والقتامة وأثرت بشكل كبير جداً على المسارات الاجتماعية والاقتصادية كافة للمواطن العراقي.لم يكن الاعلام العراقي بأصنافه المختلفة  بعيداً عن تلك التأثيرات ، بل يمكن القول بأنه في مقدمة المفاصل التي تأثرت بتلك التغيرات العميقة ، رغم كونه مفصلاً اساساً ومهماً ودليلاً يؤشر من خلاله سعة فضاء الحرية بما تحمل من مدلولات متعددة ،الا أننا يمكن ان نقول ان الاعلام غالباً ، البس  نتاجه ثوباً بلون واحد ، وكرر نفسه الى الحد الذي من الصعب ان يرصد له تطوراً وتغيراً في ألية عمله النمطي المتمثل بمتابعة بليدة للتغيرات في المواقف السياسية التي تسابق سرعة مؤشر الثواني ، وأخذ يدور ويكرر تلك المواقف المتحركة والمنقلبة والمتقاطعة عبر مماطلة  التصريحات والخطاب السياسي القابل للتبدل مع كل غروب وشروق شمس ان الملفات الكثيرة الملغومة  بالفساد الاداري والمالي ، والتي تتعلق مباشرة بهموم المواطن واحتياجاته ومعاناته ، الا ان وسائلنا الاعلامية ظلت تدور في افلاك بعيدة ولا تقترب منها ، بذلك فقدت أهم وظائفها الاساسية بالتعبير عن ضمير المواطن الحي والعين الرقيبة الصالحة الكاشفة لكافة الاخطاء والتجاوزات على القانون وحقوق المواطن وأناطة اللثام عن السلبيات والممارسات غير المشروعة ، لتكون الأداة الامينة المحايدة الايجابية لكشف الحقيقة لما تمتلك من تفويض شعبي  بعيداً عن المصالح الحزبية السياسية الضيقة والانحياز لجهة أو غيرها .وعليه ما تعانيه وسائلنا الاعلامية ، أصبح كسبها لثقة المواطن محل شك ، حيث وجدت صعوبة في اقناعه  بما تطرحه أو تسوقه ، كونها لم تصل الى الطموح في تحديد معالم هويتها ونتاج فعاليتها في خلق الرأي الواعي لضرورات الواقع المعاش ، ودليلاً عن عجزها في تغير آلية عملها لرتقي الى المستوى الذي يتطلبه الواقع العراقي الحالي من صفة العمق والتحقيق المستند على تطبيق منهج عمل واقعي موضوعي مدعم بالوثائق والبيانات الدقيقة الحسابية والجنائية من مصادرها  لأداء مهامها الرقابية  للظواهر التي تسيدت على مجتمعنا في هذه الحقية الزمنية .ان التوجيه القسري للاعلام وحصره في آطار ضيق من المسارات المتوافقة مع مصالح جهات سياسية معينة على حساب جهات اخرى ، وجعله ساحة لتصفيات الحسابات من خلال التركيز والترويج للتقاطعات في الخطابات المتشنجة والمتضادة وخلط الاوراق وتسويق الاتهامات الكيدية والتخبط والتشتيت والتناقضات فيما تطرحه او تتناوله من القضايا المصيرية الحساسة وافتعال الازمات ومحاولة التشهير والتي غالباً ما ترهق مسامع المواطن وتشوش ذهنيته دون جدوى حقيقية في طرح ما يمس حاجاته وطموحاته .لابد ان نقول ان كثير من الوسائل الاعلامية العاملة على الساحة العراقية ، قد حددت هويتها وخطوط عملها وملامح خطابها الاعلامي ومقاصد سياساتها ، من خلال الجهات الداعمة والممولة لها والاغراض والاهداف المرسومة لرسائلها الاعلامية ، مما يدل ان موضوع الحيادية الايجابية و المسؤولية الوطنية قابلة للنقاش كثيراً.مما يتطلب لذلك جهداً استثنائياً وعملاً مشتركاً ممنهجاً وفق قراءة واقعية وعلمية للواقع الاعلامي العراقي مستندة على التجارب الناجحة في هذا المضمار لتنشيط فعاليته  وتعجيل حركته والنهوض بادائه لتحقيق أهدافه الوطنية الكبيرة في  الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن ،ليكون أداة حية في تصحيح المسارات الخاطئة وكشفها ومحاربتها برؤية وطنية صائبة مقنعة ، عاكساً ترجمة صادقة أمينة لصوت المواطن وجسراً لتعميق اواصر المواطنة  وفق استراتيجية مسؤولة واضحة واعية لمتطلبات المرحلة .نعتقد ان موضوع فعالية الاعلام والصحافة على وجه الخصوص ، يتطلب  ان تأخذ على عاتقها المسؤولية الكاملة  لاداء مهامها المهنية والوطنية بممارسة عملية التحقق والاستقصاء في كشف الفساد والانحرافات ومواطن الخلل والضعف في المجتمع بجرأة وبحث وتحري من خلال (الصحافة الاستقصائية) لتعيد ثقة المجتمع بأهميتها ودورها الفاعل في التقييم والتصحيح .