منصب الرئيس

 

يبدو أنّ الطلب الذي أرسله الادعاء العام العراقي إلى رئاسة مجلس النواب والقاضي باتخاذ ما يلزم بشأن تطبيق المادة ( 72 / ثانيا / ج ) من الدستور العراقي والخاصة بالاجراءات القانونية الواجب اتخاذها في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية , تنذر بأزمة سياسية جديدة تضاف إلى مسلسل الأزمات السياسية التي تعصف بالبلد , فالادعاء العام يرى أنّ طول فترة غياب الرئيس بسبب المرض تستوجب اتخاذ الاجراءات اللازمة وتطبيق المادة ( 72 / ثانيا / ج ) , وإنّ هذا الطلب ينسجم مع المادة ( 1 ) من قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل , لكنّ اللجنة القانونية في البرلمان العراقي ترى أنّ هذا الطلب غير دستوري وغير قانوني ويعد تدّخلا في عمل السلطة التشريعية .

والحقيقة أنّ هذا الجدل الدائر يرجع إلى الدستور تفسه الذي لم يحدد الأسباب التي تجعل منصب رئيس الجمهورية خاليا , كما لم يحدد مدّة معينة لاعتباره خاليا , ولهذا السبب يرى مجلس النواب إنه غير ملزم بتنفيذ هذا الطلب , وبطبيعة الحال نحن غير معنيين بهذا الجدل القانوني , فالمحكمة الاتحادية هي الجهة الوحيدة المعنية بحل هذا النزاع الدائر بين الادعاء العام ومجلس النواب , وهي بالنتيجة من سيحسم هذا النزاع الدائر .

لكنّ هذا الجدل الدائر ربما سيثير أزمة سياسية حول منصب الرئيس كاستحقاق دستوري ووطني , فالدستور العراقي اعتبر رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويمثل سيادة البلد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه , واشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية اربعة شروط فقط هي

أولا / عراقيا بالولادة ومن أبوين عراقيين

ثانيا / كامل الأهلية وأتّم الأربعين من عمره

ثالثا / ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن

رابعا / غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف

فالدستور العراقي واضح جدا حيث لم يجعل من منصب رئيس الجمهورية واي منصب سيادي آخر , استحقاق لمكوّن أو دين أو مذهب أو حزب سياسي معين , بل أنّ كل عراقي تتوفر فيه هذه الشروط يستطيع أن يرشح لمنصب رئيس الجمهورية , فكون الرئيس جلال الطالباني كرديا لا يعني أنّ منصب رئيس الجمهورية هو استحقاق للقومية الكردية أو استحقاق لحزب الاتحاد الوطني الذي ينتمي إليه , وبالتالي في حالة خلو منصب الرئيس لأي سبب سواء كان الموت أو المرض الذي يعيقه من تأدية مهامه الدستورية , فإنّ مجلس النواب ملزم وفق الدستور بانتخاب رئيس جديد للبلاد , وهذا الرئيس هو من يحضى بثلثي أصوات البرلمان العراقي , وإن لم يحصل أي من المرشحين لهذا المنصب على هذا العدد من الأصوات فيعاد التصويت ويصبح رئيسا للجمهورية من يحصل على أعلى الأصوات .

لكنّ أحزاب المحاصصة الطائفية والقومية التي جعلت من هذه المحاصصات مبدئا للحكم , تريد ان أن تجعل من هذا المبدأ عرفا سياسيا باعتبار منصب الرئيس هو استحقاق كردي ومنصب رئيس الوزراء استحقاق شيعي ومنصب رئيس البرلمان استحقاق سنّي , بالرغم من أنّ مجرد القبول بهذا المبدأ , هو ترسيخ لهذه المحاصصات اللعينة التي تسببت في كل المشاكل التي تعترض العملية السياسية والديمقراطية في البلد .

ومن هذا المنطلق يقع على عاتق مجلس النواب باعتباره ممثلا لإرادة الشعب رفض هذا المنطق والتوجه نحو انتخاب رئيس جديد للبلاد ( في حالة خلو المنصب ) بعيدا عن هذه المحاصصات يكون رمزا حقيقيا لوحدة البلد , كما ويجب رفض أي ابتزاز سياسي لأي مكوّن من المكونات باعتبار هذا المنصب حصة هذا المكون , وعدم الخضوع لمثل هذه الابتزازات سواء كانت كردية أو سنّية أو شيعية .