نريد يوماً واحداً وحيداً يأتي بدون دم

 

1
نحن لا نحاكم ونقاضي الماضي القريب بالراهن، ولا الراهن بالماضي ولكننا نربط حلقات الماضي القريب بالراهن فربما اكتسب الموت العراقي شرعيته أو مجانيته من الماضي الذي يتوافق ويستجيب لفوضى الراهن وطبيعته الدموية الموروثة .
من بين الأنقاض تمتد يدٌ تتمثل إحدى النقاط المضيئة في عصور الظلمات المعشعشة في سماء البلاد ولا عجب أن نصف الراهن الذي نعيش بالسريالي، وعليه فإننا فيما عدا هذه الصفة لانجد سوى بضعة كلمات خجولة لكنها لا تضيف شيئاً تجميلياً على ثياب الراهن الملطخة بالسواد ودم الطوائف حتى وإن اختزلنا حجم المأساة .
لعلنا وصلنا إلى مرحلة حرجة، مرحلة فقدان أي شيء وكل شيء، هناك شعورلانجد مبالغة في وصفه، من أن العراقي بالاضافة لشعوره الدائم بمواطنته المطعونة يشعر بالقرف وحين يؤوب إلى بيته، مرهقاً، قلقاً وخائفاً تستقبله الكوابيس والأسئلة والحيرة والوجوه الممتقعة للساسة ـ القتله التي تهيمن عليه وهو يصرخ محشرجاً، نريد يوماً واحداً وحيداً يأتي بدون دم .
في تجربة الموت الدائر هناك بحرية لامثيل لها نقول: حين تختلط الأزمنة، وتعاش الحروب والاقتحامات والاغتيالات والانفجارات بوصفها مختبراً لميتات قادمة محتملة، يصبح الطموح الأزلي أعلاه تلخيصاً موجزاً لمعنى الموت في عالم عراقي ضبابي لا يعول عليه كثيراً خصوصاً وهو يحاول القبض على يومه وموته وهزائمه المتكررة من أجل إيقافهما مثلما يصبح البحث عن المواطنة الضائعة المطعونة جزءاً من محاولة الهروب من الموت الراهن إلى الحياة .
كلمة التفاؤل، كلمة مسفوحة هذه الأيام بصورة غريبة في كتابات البعض وتبعاً لذلك أُفرغ التفاؤل من معناه الحقيقي لكثرة التكرار حتى بات لغطاً، ومن السمات التي يمكن ملاحظتها بوضوح شديد لبعض أساليب اللغو هو ما يحصل من تحول غريب في طرق القسوة وطبيعة الأضطرابات الخاضعة لمقايس وأطر دموية جديدة باتت علامة دالة لغياب أي منطق للعقل وإستجابة لهذه الحالة يجد العراقي نفسه مشدوداً بين أقطاب كثيرة تتنازع ذاته بينما هو مندفعاً صوب صمته ليستأنف ممارسة حالات التكيف والتحمل من جديد مع أنظمة الخوف القادمة على ظهر محمل بإرث ثقيل لا ينتهي من الثارات القبلية والموروثات العقائدية المقيتة وهذا الأمر يرجع إلى تاريخ حافل بالسذاجة السياسية/الثقافية التي تروج لثقافة الانتقام ـ لسياسة الإقصاء أو في ميدان مفتوح ومناسب تهافتت عليه الوجوه والأسماء والطوائف والعقائد .
2
في عصر الولاءات نستطيع رؤية الأشياء بواقعية مرعبة تكفي لكي تعطينا السمة الحقيقية لطبيعة العلاقات السائدة بين السياسي والثقافي أو الحاكم والمحكوم وهذا الأخير لايستطيع بدوره أن يفعل شيئاً ما، لأنه محاط بولاءات عدة تتعايش معه ولا يتعايش معها وأن تعددت اشكال تلك الولاءات من جهة الشخص والحزب أو القبيلة والطائفة والمؤوسسة الثقافية، إذن المسألة هنا تختزل لتصبح مسألة ميْلٍ أو حافز مُقترنٍ بولاء أو هوى أو ربما إعادة تركيب أو تكرار إنفعالي، إزاء مجردات ذهنية مصحوبة بمشاهد مرئية مخجلة، ولكن المعروف عن الهوى سيكولوجياً إنه إنفعال ينمو على حساب باقي المكونات البشرية وهو في نفس الوقت شبيهاً بالتعصب الأعمى بينما الميل العقائدي، القبلي والطائفي يعني الرغبة العارمة للسطوة، وهنا نتساءل: كيف سيوفّق الحاكم بين هوى أعمى وسطوة عارمة؟ هناك ممارسات يومية تكفي للدلالة على المدى الأخلاقي الهابط لدى هذا الحاكم أو ذلك الحزب أو تلك القبيلة وهذه المؤوسسة المملوكة، أعلامياً وثقافياً وسياسياً، وهنا يستدركنا التعبير الخلدوني (أن الملوك الذين ليس فوقهم يد عالية) آنف الذكر والذي يدل على معنى السلطة الاستبدادية التي تصادر كل شيء حتى ما ومن هو أقرب إليها وعليه لايجد الفرد المحكوم في كل الأوقات وفي جميع الأمكنة سوى حزب واحد، شعارات عقائدية طائفية متشابهة أو صحافة تابعة أو وإعلام موجه، إن هذا ما يؤدي إلى الإقرار، شئنا أم أبينا، بأن الحالة العراقية الر اهنة أو المقبلة بالإضافة لكونها منقسمة على نفسها قد دخلت مرحلة الحرج أو ما يطلق عليه في الطب الحديث بالموت السريري، وأخيراً وقبل أن ننهي هذا المقال المبتسر نود أن نستكمله بالتساؤل: عندما طرح، كنعان مكية وفرنسيس فوكوياما، شعار الديمقراطية، هذا إذا سلمنا بصدق الطرح ومشروعية الشعار، ألم يفكروا جيداً في إلماعات الساسة العراقيين والادلاء، هؤلاء الذين قال عنهم توماس الفريدمان: انهم لايستحقون الحياة ولا (الحرية) ولا (التضحيات الأميركية الكبيرة) لأنهم يكرهون بعضهم بعض . من هذا المعنى نحاول تبيان العلاقة الدراماتيكية بين الخراب العراقي والموت، ومن هنا أيضاً نكرر قولنا: نريد يوماً واحداً وحيداً يأتي بدون دم وموت وألم .