يوم الثلاثاء الماضي 14\5\2013 , وأنا في خضم العمل , وزحمة المرضى , وإذا بهاتفي النقال يتواصل الرنين , وكعادتي لا أجيب وأنا مع مرضاي , وبسبب مضايقته هذه أغلقته , وتواصلت في عملي , وعند الظهيرة عدت إليه , وإذا به يزدحم بالمكالمات والرسائل والإيميلات وغيرها من أساليب التواصلات , وجميعها تريد الإطمئنان على حالي. وأنا في دهشتي , قرأت رسالة لأحد الأصدقاء تنبهني على أن بريدي الإليكتروني مسروق , لأنه قد تلقى رسالة غريبة جدا , تقول بأني في الفلبين وقد حدث ما حدث لي , وهناك طلب عاجل للمساعدة. فهرعت إلى بريدي , وإذا به قد فقد عناوين جميع الأصدقاء , وغيرهم من الذين تواصلت معهم على مر الأعوام , فهذا الإيميل أقدم إيمل عندي , وهو معي منذ بداية عهد الإيميل , وحاولت إصلاح الأمر , لكنني لم أفلح. لقد حدث سطو مبرمج فتاك , إغتال جميع ما عندي من العناوين الإليكترونية , وأخذ الساطون يراسلون تلك العناوين برسائل ما أنزل الله بها من سلطان. وهكذا ترانا في عالمنا الإليكتروني , نتعرض للفيروسات الإليكترونية , وللسطو الإليكتروني , وهذا يشير إلى أننا مختَرقون وعراة , وحالما نكون أمام هذا الجهاز فأننا تحت المراقبة الشديدة والمتابعة , بل وحتى التصوير , لأن العقل البشري قد إبتكر ما لا يخطر على بال من البرامج , التي يمكنه بها أن يخترق جهاز الكومبيوتر ويطلع على ما فيه. ولا يوجد شيئ بالمجان على الإطلاق , فعندما تحمّل جهازك ببرنامج مجاني , فأنك قد إستضفت مراقبا ومتابعا, لما تقوم به من نشاطات وتواصلات وتخاطبات. فما عاد هناك ما يسمى بالشخصي , و شيئا مستورا , أو مكتوما أو خافيا. وفي عالم اليوم يمكن لأحدهم أن يقوم بإصلاح جهازك , وهو في الهند أو الصين , إذ يدخل فيه ويتحكم به , وكأنه يضرب على مفاتيح الكيبورد. وفي زمن الوايرليس , إزددنا عريا , وما أصبحنا نمتلك شيئا مغيّبا عن الأنظار. فنحن نمشي عراة , وما نفكر به , ونقوم به أصبح معروفا وواضحا , ومدونا في خلايا إليكترونية, يمكنها أن تبوح بكل ما قمت به وفعلته. أينما تولي وجهك , فأن هناك أجهزة تصورك , وتراقبك , وتحصي أنفاسك. حتى في البيت , هناك أجهزة أمان تعرف متى تدخل وتخرج وتنام. وما خفي أعظم. اليوم يسرقون بريدك الإليكتروني , وغدا سيتحقق سرقة الأفكار القابعة في العقول! نحن نعيش في عالم آخَر , ومجتمعاتنا في عالم آخِر! شعرت بالغضب لهذا الإغتيال الفظيع , الذي أفقدني الكثير من قدرات التواصل , وحشرني في زاوية ضيقة , وأعجزني تماما. لكنه علمني , بأن عالم الإليكترونيات , عالم واهي , ويمكن للذي يعتمد عليه أن ينهار بسرعة خاطفة , وأنّ كل ما وضعته في صفحات إليكترونية , ربما تفقده بلحظة غادرة , كما حصل لي في العديد من أرشيفات الصحف الإليكترونية , حيث يتم إغتيال آلاف المقالات والقصائد بهجمة مباغتة. حتى أصبحت أرى أن كل ما حوته الصفحات الإليكترونية مُضاع , وإنه كالكتابة على وجه الماء. ترى هل علينا أن نتعلم مهارات الإحتراس الإليكتروني , ونبني أسوارا إليكترونية , بدلا من الأسوار الكونكريتية , في زمن , صارت الإغتيالات الإليكترونية , نشاطات عدوانية وتدميرية للنشاطات الإنسانية الحرة؟! قلت لأصدقائي , أصابتني جلطة إليكترونية , أفقدتني الذاكرة , لأن هذا الجهاز صار دماغنا المعاصر!! ووقانا الله من شر الإليكترون الرجيم!! وأرجو من جميع الأصدقاء إهمال أية رسالة من هؤلاء السارقين , ومعذرة لأن أسواري الإليكترونية إنهارت أمام قذائفهم اللعينة المتطورة الإنتهازية الفتاكة.
|