أن الحس الأمني العظيم و عبقرية الإجراءات و الخطط لأمنية الاستثنائية التي يتمتع بها القادة الأمنيون في العراق ، طبعا ، ابتداء من القائد العام للقوات المسلحة المهيب الركن الأدميرال المالكي و انتهاء بالوزير وكالة للداخلية الجنرال الأسدي ، نقول إن هذه العبقرية الأمنية قد باتت محط و مبعث حسد الأجهزة الأمنية سواء في إسرائيل أو في أمريكا ، هذا ناهيك عن دول أخرى ، وذلك لما يتمتع به المواطن العراقي من أمن شامل و أمان كامل حتى بات هذا المواطن ضجرا من شدة الهدوء والأمن و الأمان وهو يحّن إلى سماع دوي أصوت ألعاب نارية ليشعر بالتوتر و القلق قليلا !!..
و من ضمن دلائل و براهين هذه العبقرية الأمنية لهؤلاء القادة الأمنيين العظام هو معاقبة المواطن الساعي إلى عمله و كسب رزقه في الشوارع ، و ذلك من خلال افتعال اختناقات مرورية عبر اتخاذ إجراءات أمنية مشددة عند السيطرات و نقاط التفتيش ، بعد كل موجة تفجيرات تضرب بعض مناطق و أحياء بغداد و محافظات أخرى بين حين و أخر ، الأمر الذي يسبب زحمة مرورية خانقة ، قد تستغرق عدة ساعات من معاناة يعانيها المواطن ــ انتظارا و توترا ــ وهو يتلظى تحت شمس محرقة ، وسط عادمات الدخان و سحابات الغبار ، زائدا عن تأخره عن العمل ، ور بما تعرضه فيما بعد للمسائلة بسبب ذلك ، وهي إجراءات أمنية عديمة الجدوى و الفائدة في نظر المواطن و تثير سخريته و تهكمه لكونها تحدث بعد تنفيذ التفجيرات الإجرامية ، وليست قبلها كما ينبغي و يجب :
إذ من المعروف أن القوى الإرهابية و غيرها من أحزاب متصارعة على السلطة و بسط النفوذ و الهيمنة ، تحتاج إلى وقت ليس بقصير ، لتقوم بعملية تلغيم و تفخيخ السيارات قد تستغرق أياما و أسابيع ومن ثم تنفيذ عملية تفجيرها هنا و هناك في أرجاء العراق ، و أنها بعد تنفيذ موجة و سلسلة تفجيراتها الإرهابية ، لا تقوم في اليوم الثاني بنفس الحجم من تفجيرات إجرامية مماثلة أو أقل من ذلك إلا في حالات نادرة كالتي حدثت اليوم ـــ الخميس ..
فلماذا إذن كل هذا التشديد و التسبب في اختناقات مرورية بدون أية فائدة أمنية تذُكر ؟! ..
هل لغاية معاقبة المواطن تعويضا عن فشل مهني ؟ أم هروبا من تحمل المسئولية ؟!..
و خاصة نحن لم نسمع أو نقرأ يوما بأنه قد جرت عملية كشف سيارة ملغومة عند إحدى نقاط التفتيش أو السيطرات الأمنية ، بل بالعكس فقد قرأنا عبر وسائل الإعلام عن حدوث تفجير سيارات مفخخة بقرب نقاط تفتيش و سيطرات أمنية بعد عبور " موفق " و ناجح من خلالها و بكل سلامة و أمانة * !!..
مثلما حدث في كربلاء و النجف ــ مثلا و ليس حصرا ..
*غير إن المُثير بل و الطريف أن تستمر نقاط للتفتيش و السيطرات الأمنية هذه ، أو بالأحرى أن تواصل عناصر هذه السيطرات الأمنية مهمة استخدام أجهزة كشف المتفجرات الهزيلة حتى هذه اللحظة ، على الرغم من حقائق و دلائل إثبات دامغة على صعيد اكتشاف عدم فاعليتها و جدواها ( لا سبما بعد معاقبة مروجها الإنكليزي قضائيا في بريطانيا كاعتراف رسمي بعدم فاعليتها وطابع الاحتيال الكامن وراء ذلك ) ، وهو الأمر الذي يثير استغراب المواطن حينا و استهجانه حينا ثانيا و ضحكته الساخرة حينا ثالثا و هو يرى العنصر الأمني وهو يمسك بشكل جدي و صارم بجهاز أشبه بلعب الأطفال !!..
كما إن ثمة دليلا أخر على العبقرية الأمنية للقادة الأمنيين العراقيين الحاليين و المتجسدة بالإجراءات الأمنية التالية و المتخذة عند السيطرات و نقاط التفتيش : على نحو وضع براميل صدئة أو قطع حجرية ضخمة في وسط الشارع بهدف تضييقه إلى حد لا تتمكن إلا سيارة واحدة من العبور ، بينما يقف اثنان من عناصر السيطرة يتحدثان أو يتضاحكان فيما بينهما ، وما هي إلا بضع دقائق حتى يحدث زحام مروري شديد و خانق قد يمتد إلى مسافات طويلة ..
دون أن يفهم المواطن طبيعة الحكمة أو الجدوى من تلك الإجراءات الأمنية المشددة عبثا و هباء و بهذه الطريقة الكاريكاتورية و التي لا تنتج عنها غير عملية إزعاج المواطن و حرق أعصابه على نيران الانتظار الطويل الهادئة ..
من بغداد : عاصمة الخرائب و المزابل والتفجيرات المتواصلة .
|