في حوار خاص جدا الامين العام لـ

 

اعطينا مؤسسات الدولة فرصة كافية لترتيب اوراقها ولكنا لن نتحمل مزيدا من الاجحاف ..
في حوار خاص جدا الامين العام لـ "حركة مجاهدي الاهوار" كاظم البطاط: الدولة جعلت من الضحية جلادا والجلاد ضحية!


كاظم البطاط المولود عام 1956 في ناحية طلحة التابعة لقضاء القرنة في محافظة البصرة يعتبر من اشهر القيادات الميدانية المعروفة في الاهوار الوسطى خصوصا في فترة التسعينات حينما اصبحت الاهوار الوسطى بكاملها تحت سيطرة الثوار "المجاهدين" ضد نظام صدام حسين، شارك في مؤتمر المعارضة العراقية في نيوورك عام 1999. من اجل الوقوف على ابرز ملامح تلك المرحلة التاريخية والاقتراب اكثر من "حركة مجاهدي الاهوار" الذي يعتبر البطاط امينها العام جاء الحوار التالي:
- ما الذي دفعك الى رفع السلاح ضد نظام صدام حسين ومتى بدأت ذلك ؟
في السبعينات من القرن الماضي حينما كنت شابا كنت ارى واسمع والاحظ كما يرى غيري الاستبداد، الظلم والجور الذي يقع على الناس من قبل هذا النظام الفاسد، كنت ارتقي المنبر الحسيني واتحدث بذلك علانية وهذا ما دفع السلطات لاعتقالي مرات عديدة خصوصا في العام 1978 حيث اعتقلت بتهمة التهجم على الحزب والثورة واودعت في الشعبة العسكرية في البصرة، وبقيت محتجزا لعدة اشهر تعرضت خلالها لابشع انواع التعذيب، ثم بعد جهود كبيرة من قبل والدي والخيرين من وجهاء البصرة افرج عني.
في بداية الثمانيات كنت اعمل في شركة نفط الجنوب، جندت واخذت الى العسكرية، في الاثناء وصلتني اخبار من بعض المجموعات الصغيرة في الاهوار ممن اعرفهم ان الجيش قد يشن عليهم حملات عسكرية وهم لا يمتلكون السلاح فرتبت لهم دفعة من السلاح واوصلتها لهم بسيارة ايفا الى اطراف الاهوار، اثر تلك الحادثة اعتقلت واودعت في الفرقة الخامسة تعرضت للتعذيب واطلق سراحي بعد مدة لعدم وجود دليل على ذلك. عدت للعمل في شركة نفط الجنوب وبقيت اماطل بشكل او باخر بحيث لا التحق بحرب ضروس لست مقتنعا بها. بقيت اناور الاجهزة الامنية واتحايل عليهم حتى حدوث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 حينها كشفت الاوراق واصبح العمل ضد نظام صدام حسين علنيا. كنت في فترة الانتفاضة الشعبانية في ناحية طلحة التي قاومت ولم يدخلها جيش صدام حسين الا بعد فترة طويلة وذلك لانها منطقة نخيل وشوارعها مسيطر عليها مما صعب عليهم المهمة. بعد دخول الجيش انسحبنا للاهوار وبقينا في الاهوار طيلة التسعينات.
- هل كنتم مجموعات منظمة في الاهوار .. ؟
بعد الانسحاب للاهوار اصبح اهالي الاهوار وهم ليسوا قلة جميعهم في خندق الدفاع عن مناطقهم اضافة الى الكثير من ابناء المدن الذين لاحقتهم السلطات نتيجة لمواقفهم السياسية ونضالهم ضد نظام صدام حسين، هذا العدد من الثوار دفع القيادات الميدانية الى هيكلة تلك الاعداد فشكلنا افواج سرايا ومجموعات، وكانت يوزع العمل على تلك المجموعات الموزعة في مختلف مناطق الاهوار الوسطى.
- من هي ابرز الوجوه والقيادات الميدانية في الاهوار؟
من الشهداء: ابو جاسم العبادي ابو جلال المنصوري ابو دعاء الشغانبي ابو نصيف الرطوسي ابو زهره الفرطوسي، محمد هني الياسري واخوه حسوني الياسري. ومن الاحياء: كريم ماهود، حميد مونّس "ابو ماجد الشغانبي"، ابو لقاء الزيرجاوي، عيسى الياسري، سيد عزيز، حمزة الموسوي جبار الغالبي، عدنان البطاط، حمزة البطاط، ابو سعد الصيمري، ابو باسم العوجي، ابو امتحان الحلفي، الى جنب هؤلاء كذلك كانت هناك شخصيات بارزة ومؤثرة لها تاثير كبير في توجيه سكان الاهوار منهم: حجي وهيّب، سيد نعمه الياسري، حميد الخنياب، علي فضاله الساعدي سعيد النادر الساعدي، الكاتب والاديب ابو عادل الحلفي، ، سيد مهنه، ابو عبود الوائلي، ابو عباس هليل سلمان الماجدي. كذلك لا يفوتني ان اذكر عبد العزيز الفضل وهو من المؤسسين الاوائل للحركات الجهادية في هور البصرة "صليّن". وهناك اخرون ربما فاتني ان اذكرهم.
- بعض الشخصيات ذكرتهم بكناهم وليس اسمائهم ؟
هناك الكثير من الشخصيات والقيادات الميدانية معروفة بكناها اكثر من اسمائها، كنا نوجه بذلك لدواعي امنية خصوصا بالنسبة لبعض المجاهدين الذين لهم عوائل في المدن. وهناك شخصيات معروفة ايضا باسمائها الصريحة المعروفة للجميع.
- كيف تقيم تلك المرحلة وما هي ابرز الاخطاء فيها من وجهة نظرك ؟
بداية لا توجد اخطاء كبيرة لان معظم الناس كانت تدافع عن انفسها وعن عوائلها من نظام دموي جائر، لكن ربما من اهم الاخطاء التي وقع فيه المجاهدون والتي شغلتهم عن اهدافهم الاساسية لبعض الوقت هي قضية شرعية هذا الطرف وعدم شرعية ذاك. المتواجدون في الاهوار معظمهم من المتدينين ومهم بالنسبة لهم ان يعرفوا مشروعية ما يقومون به، فانشغل الناس بهذه القصة لفترة من الزمن وتزامن ذلك مع المباشرة بمخطط التجفيف، هذه القضية استغلت من قبل النظام بشكل سلبي، مما أشغل المجاهدين عن قضية التجفيف. لكن بشكل عام كل الناس كانت منخرطة في الجهاد ضد صدام حسين ولهم قضية، وتهمهم مصلحة الناس هناك، ولم تكن هناك اخطاء كبيرة.
- ما هي ابرز العقبات التي واجهتكم في تلك الفترة حينما كنتم تحملون السلاح ضدم نظام صدام حسين ؟
كانت المهمة الاصعب بالنسبة لنا هي توفير المواد الغذائية والاساسية لالاف العوائل والاطفال من ابناء المجاهدين في الاهوار، كنا محاصرين من هذه الناحية وكان هناك دور كبير للمناطق الواقعة على ضفاف الاهوار في تذليل الصعوبات. اما المعارك والمواجهات فليست هي المشكلة الاساسية لان الكل لديه الدافع للتضحية، بل بعض الشباب كان يبكي لانه لم ينل الشهادة، كنا ننتصر حتى في المعارك غير المتكافئة، لان المجاهدين كانوا يخوضون المعارك وهم يعرفون جيدا انهم يدافعون عن انفسهم واعراضهم فلا يدّخرون جهدا الا وبذلوه من اجل الانتصار في المعركة. انا عادة لا اخوض بالحديث عن المعارك، اولا لان بعض التفاصيل لا تصدّق لمن لم يعشها، وثانيا لان المعارك كثيرة وذكر بعضها فيه اجحاف للبعض الاخر.
- اسقطت طائرة في التسعينات من القرن الماضي كيف متى واين ؟
صيف العام 1992 وقبل تطبيق الحظر الجوي في جنوب العراق كنت عائدا للتو من استطلاع المناطق القريبة تحسبا لهجوم محتمل من قبل الجيش، حينما وصلت مقرنا في منطقة "الشرته" في الجزء الجنوبي من الاهوار الوسطى، تفاجئنا بمجموعة من الطائرات المروحية تحلق بمستوى منخفض فوق المقر، حينها سارعت الى سلاحي الخاص البكتة "سلاح متوسط يوضع فوق المدرعة" التي حوّرت لتكون محمولة باليد، صوّبت على الجزء الخلفي للطائرة بحكم معرفتي انه غير مدرّع عادة، فاصبتها وسقطت على بعد نصف كيلو متر عنا بين القصب والبردي، الاخوة الاخرون ايضا اصابوا طائرة ثانية ولكن الطيار قادها الى منطقة اليابسة وهبط هناك. بقيّة الطائرات انسحبت بعد هذا الموقف لكنهم استطاعوا ان يخلوا الطيار حيث ارسلوا له حبلا امسك به حتى وصل اليابسة، لم نكن نشاهد ذلك لان المنطقة محاطة بالقصب والبردي وغير مكشوفة لكن عرفنا فيما بعد. حتى الان لا زلت احتفظ بالسلاح الذي اسقطت به تلك الطائرة.
الجيش حاول مرات عديدة ان يخلي هيكل الطائرة ويستعيدها لكنه لم يستطع وبقي يحاول لاكثر من ثلاثة اشهر يشن الهجوم تلو الاخر لكن جميع المحاولات تبوء بالفشل، في بداية الشهر العاشر وصلني وفد من بعض العشائر المحاذية للاهوار وهم من المتعاونين معنا ولهم فضل كبير في تمرير المواد الغذائية لنا، ابلغونا بان الجيش سوف يشن غدا هجوما على مكان سقوط الطائرة وسوف يتخذ من العوائل والاطفال دروعا بشرية، فاجبناهم اننا سوف نكون على اهبة الاستعداد للمواجهة مع الجيش ولكن ان حصل ما ذكرتموه فلنا راي اخر، سوف ننسحب من اجلكم. وهذا ما حصل حيث شاهدنا الجيش يتقدم بزوارق وقد احيط من جميع الجهات بالعوائل والمدنيين ولهذا انسحبنا من المكان، وبهذه الطريقة الجبانة والدنيئة فقط اخذوا بقايا الطائرة بعد ان عجزوا عن المواجهة.
- اعلنتم مؤخرا عن تأسيس"حركة مجاهدي الاهوار" ما هي اهداف الحركة ولماذا الان ؟
الحركة لم تؤسس الان بل جذورها قديمة، انها تضم الكثير من الجماعات التي بدأت مقاومة السلطات البعثية منذ السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 انسحب الكثير من المنتفضين الى الاهوار سواء كانوا من ابناء الاهوار او ابناء المدن كثر جمهور المجاهدين فكان لابد من تنظيم هذه الجموع ليسهل التعامل معها، عقدنا اجتماع من اجل ذلك الموضوع حضره بعض الاخوة مثل ابو جميل العوجي محمد هني الياسري وغيرهم من الوجوه المعروفة، فاتفقنا مبدئيا على تشكيل حركة اسميناها "حركة مجاهدي الاهوار" واعلن ذلك الاسم لفترة من الزمن، شكلت افواج سرايا ومجموعات وكل فئة لها مسمى خاص بها، لكن بعد مشورة القيادات الاخرى في مناطق اخرى من الاهوار اقترح اسم اخر، تماشينا مع الواقع فليست الاسماء مهمة وبقينا نعمل سوية بغض النظر عن المسميات.
وبعد عشر سنوات على سقوط صدام حسين، اعدنا الحياة الى تلك الحركة وباسمها القديم. اهداف الحركة اعلنت في البيان الختامي لمؤتمر "المدينة" الذي عقد مطلع نيسان عام 2013، ومن اهم تلك المطالب الاهتمام بتلك الشريحة التي ناظلت وجاهدت وتحملت المشقة والعناء من اجل العراق، لكن لم تحظ بشيء، ولا اقصد هنا فقط اهالي الاهوار بل من عمل في تلك المناطق خلال الثمانينات والتسعينات حتى لو لم يكن من سكان الاهوار. لقد صودرت جهودنا وادخلت ميليشات في اجهزة الدولة باسم المجاهدين.
- لماذا هذا التوقيت بالذات اين كنتم طوال السنوات الماضية ؟
اعطينا الدولة فرصة مناسبة ووقت كافي لترتب اوراقها، هناك اولويات والمشكلة الامنية كانت الشغل الشاغل للجميع، لسنا انتهازيين ولا نريد اضافة عبء على الدولة في السنوات السابقة لكن الامور تغيرت الان والاوضاع تحسنت من جهة ومن جهة اخرى الدولة اخذت تكافيء المجرمين ممن قاتلنا وممن اضطهدنا وتجاهلتنا في نفس الوقت! الدولة جعلت من الضحية جلادا والجلاد ضحية! المجاهدون في الاهوار عوقبوا كانهم جزارين، والجزار كوفيء كأنه ضحية، قلقلنا ان تستمر الاوضاع هكذا. وضعنا في طبيعة تحركنا سلسلة من الخطوات بدأنا من الاعلام وتحركنا عبر القنوات المختلفة، عقدنا سلسلة من المؤتمرات اردنا ايصال صوتنا للجميع ولمن يعنيه الامر، هناك ايضا توجه لتحرك قانوني ولو عبر استخدام القانون الدولي، وان لم نجد استجابة هناك بديل اخير في الحسبان لا نتمنى ان نصل اليه.
- هل تقصد استخدام القوة وحمل السلاح ؟
لا افصح عن طبيعة ذلك الخيار الان، لكن اتمنى ان لا نجبر الى اللجوء اليه، وفي كل الاحوار ان وصلنا لطريق مسدود فليس لنا خيار سواه، لان سقف المظلومية عالي جدا، بلغ السيل الزبى، عوّض الكثير من السجناء الذين تاجروا بالمخدرات ومنحوا صفة السجين السياسي فيما بقينا نحن نعاني التهميش. الكثير من قتلى المشكلات العشائرية وعمليات التهريب منحوا صفة الشهداء وعوضت عوائلهم لكن عوائل شهداء الاهوار لازالوا منسيين! الدولة تستجيب لمطالب اعدائها ومن يطالبون باسقاطها وتتجاهل من وقف الى جنبها .. انها مفارقة عجيبة.
- هل خذلتكم الاحزاب الاسلامية ومن وصل على اكتافكم الى السلطة ؟
الدولة منحت حقوقا للشرائح المناظلة ولكن الاحزاب الاسلامية وغير الاسلامية تناستنا واهتمت بغيرنا. هناك اناس يتحدثون في اجهزة الدولة باسم الاهوار لم يكن لهم وجود هناك اساسا ولا يعرفهم احد!
- هل انت نادم على خوضك تلك التجربة الشاقة ؟
ابدا انا لست نادما على تلك التجربة، خضنا تجربة الدفاع عن الاعراض والانفس ضد الظلم والجور، لست نادما على الاطلاق لكننا في نفس الوقت نرفع صوتنا عاليا بسبب تجاهل الدولة لتضحياتنا وتعاملها معنا وكاننا جلادين ولسنا ضحية.