طريق الجنة مفروش لـ"اكلة الفهود"

 

ما المتعة التي حصل عليها بطل فديو "آكل القلب" الذي قرر أن يقوم بتقطيع جثة عسكري، وانتزاع أعضاء من جسده والتهامها.. في طريقة نادرة من الهمجية التي تخصص بها القدر السياسي في بلاد العرب والمسلمين، حيث أخرجنا للبشرية خير أمة في فنون القتل والتنكيل وإنشاء مزارع لتربية هذه النوعية من الوحوش المنقرضة ، سيقول البعض إن فديو "آكل الفهود" هو نتيجة طبيعية للصمت الخبيث إزاء ما يحدث من مجازر للشعب السوري الذي قتل منه حتى هذه اللحظة ثلاثة أضعاف ما قتلته قنبلة ازينهاور الذرية.. منذ نصف قرن وفي لحظة إعلان "الجمهوريات العربية المناضلة الديمقراطية، والاشتراكية" وشعوب هذه المنطقة تحولت إلى آلات حاسبة تعد كل يوم عدد القتلى والمغيبين والمهاجرين إلى المجهول.. طبعا لايمكن حساب عدد الذين يسيرون حفاة ومعدمين.. ومنذ نصف قرن ايضاً وقادة هذه المنطقة أدمنوا أخبار الدماء ورائحة الجثث في الطرقات.. وأدمنوا معها مشاهد التعذيب وتعليق الخصوم في قبو النسيان.. الجميع ينظر إلى شعبه على أنه إرهابي وجرذان وفقاعات.
120 ألف "إرهابي " قضى عليهم بشار الأسد في سوريا.. مثلما اكتشف المالكي وجود عشرات الإرهابيين في الحويجة فقرر في حالة نشوة ثورية أن يقضي عليهم.. منذ سنوات وشيوخ الفتنة يجدون في العراقيين مجموعة من الخونة والمرتدين عن الدين لأنهم قرروا التخلي عن "القائد الضرورة "، بل إن خطيب "الثورات العربية" يوسف القرضاوي أجاز في لحظة "تجلي روحاني" ذبح العراقيين مفسراً عملية الذبح بأنها تستند إلى السنة النبوية في ذبح كفار قريش في معركة بدر. 
فيديو "آكل الفهود" ربما كان جوابا على سؤال ظلت الناس تردده: إلى أين قادتنا جمهوريات الخوف؟ يكتب ألبير كامو منددا بوحشية المنتصرين: "يجب ألا نخلط بين آمال الحرية ، والأمل النهائي في الانتصار على الظلم والكراهية والعنف.. فالحرية ليست القتل.. وأيضا ليست السلام الذي يفرض ثمنا دمويا".
أرسل هتلر إلى باريس التي احتلتها قوات الرايخ جنرالا يدعى ديتريتش شوليتز.. كان هناك قرار واحد أن تحرق مدينة الأضواء والجمال.. ولم يدر بخلد الفورهر أن الجمال سوف ينتصر على الوحشية حين يقرر شوليتز أن تحافظ باريس على مبانيها وطرقاتها ومتاحفها.. لم يصغ إلى صوت الفورهر، وهو يصرخ لماذا لم تحرق العاصمة الفرنسية ؟  كانت قيم الإنسانية وحب الحياة قد هزمت جنون الخراب وشبق الحرائق.
من أوصلنا إلى مشهد "أكل الفهود" ومن قبلها مشاهد كان فيها الزرقاوي ورجاله يذبحون الناس بدم بارد، بمباركة وهتافات الإعلام العربي الذي رأى فينا شعباً خارجاً على الملة. 
كل ما نراه من على شاشات الفضائيات من انهيار لقيم الحياة، هو صناعة حكومية خالصة. فبأيدي قادتنا الأشاوس كتبنا أسو أ صفحات في تاريخ الإنسانية، عندما قتل عبد الكريم قاسم أصدر " المناضل " علي صالح السعدي أمرا إلى حرسه "القومي" اسحقوهم حتى العظم.. هل كان قد قرأ خطبة موسوليني الشهيرة : "لا مكان للعظام العفنة في إيطاليا بعد اليوم".. أشك أنه كان يقرأ.. فقد كان مشغولا بابتكار وسائل جديدة للقتل، لكن لغة الوحوش واحدة : لا مكان لأنفاس الناس.. هناك طريقان لبناء الجمهوريات الحديثة، إما القبر أو السجن.
يكتب كنعان مكية "تنمو القسوة وتزدهر في الظلمة"، واليوم الظلمة هي الصمت الذي أصبحت فيه مشاهد قطع الرؤوس، واستخدام المنشار والدريل في تجميل أجساد البشر أمرا عاديا، و"كلبيات" الدماء تنافس بها محطاتنا "الثورية" كليبات مايكل جاكسون وريهانا.. هل كان بإمكان نظام صدام أن يقتل آلافاً من العراقيين في معركة يستوحي اسمها من التاريخ الإسلامي "الأنفال"، لو لم يكن قد تشكل في معظم البلدان العربية مناخ عميق التكيف مع القسوة والوحشية.. هذه القسوة التي دفعت أحد "مثقفينا" الأشاوس في ذلك الوقت، لكي يكتب مقالا يحيي فيه انتصارات جيشنا الباسل في القضاء على أوكار الخيانة والعمالة.
شعوب تكسرت أرواحها تحت حكم الطغاة سنوات طويلة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الذعر والفساد.. طغاة صنعوا قطيعا من البشر يلتهمون ضحاياهم ويأكلون "قلوبهم" ويتفاخرون بأنهم يقطّعون ضحاياهم بالمنشار الكهربائي، كما صرح صاحب واقعة "أكل الفهود" الذي يعتقد أن أكل جثث الموتى هو أول طريق للتخلص من نظام بشار الأسد، وان طريق الجنة مفروش "لاكلة لحوم البشر".. وينسى هذا الـ" وحشي "  أنه يفتح بابا جديدا للهمجية والوحشية باعتبارها مفتاحا للنصر  ، مثلما أفتتح قادة الجمهوريات العربية سيرك تقطيع جثث معارضيهم وسحلها في الطرقات..