نحو امن قومي كردي في المنطقة

 

ليس من الضروري ان يكون لك دولة كي تعير للأمن القومي اهمية , فالدولة ليست غاية بل هي وسيلة للعيش الكريم فيما اذا هدد وجودك دونها , فهناك الكثير من الدول لها مؤسسات ووزارات وبنية سياسية ورسمية كاملة لكنها لا تمتلك القرار السياسي ولا الاقتصادي ولا تستطيع حماية امنها الوطني و الامثلة عليها كثيرة في الشرق الاوسط .
في هذه الاثناء والمفاوضات مستمرة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني في تركيا يحدونا الامل في ان تسفر عن اتفاق ينهي سنوات الاقتتال الدموي الذي خسر فيه الطرفان الكثير من الموارد البشرية والاقتصادية بسبب عنجهية الحكومات التركية السابقة وعدم تجرئهم اجتياز حاجز المؤسسة العسكرية التركية والتفاوض على انهاء هذا الصراع مع حزب ( وصف ) بأنه ارهابي لا يمكن التفاوض معه حول قضية الشعب الكردي في تركيا . ويبدو هذه المرة ان الطرفين مصران على انهاء هذه المشكلة رغم العوائق التي تعتري طريقهما.
ان سياسة تصفير المشاكل التي تبنتها الحكومة التركية كي تنطلق بعدها للعب دور اقليمي في المنطقة جعلها تتوجه الى حل المشكلة الكردية التي كانت تعتبر من المشاكل المزمنة للدولة التركية , ولا ضير على كرد تركيا من التجاوب مع هذا التوجه طالما ان الطموح التركي في تحقيق احلامها العثمانية لا يتعارض مع التوجهات القومية الكردية بل العكس تماما فان الطموح التركي هذا يحتاج الى فترة ليست بالقصيرة في سبيل تحقيقه مما يدفع بحزب اردوغان للعمل على البقاء في السلطة لتحقيق هذا الهدف , ولهذا فإنها تحتاج الى تحالف طويل الامد مع جهة سياسية تمتلك اصواتا انتخابية كثيرة وفي نفس الوقت تكون هذه الجهة من خارج المعلب الشعبي لحزب التنمية والعدالة ( خارج الشارع التركي ) , ولن يجد اردوغان افضل من حزب العمال الكردستاني الذي يحوز على شعبية كبيرة في الشارع الكردي ليتحالف معه ضد الاحزاب القومية التركية التي تتقاسم الشعبية مع حزب اردوغان في الشارع التركي .. وعلى حزب العمال الكردستاني فهم هذا الاحتياج و العمل عليه منذ الان , ليس هذا فحسب بل انها قد تؤدي حتى ببعض الاحزاب القومية في تركيا الى تخفيف لهجتها المتطرفة بغية الالتقاء في بعض النقاط مع توجهات الكرد والاستفادة منهم انتخابيا .
يمكن ان يتعدى تأثير التطورات الحالية في تركيا الى ما هو خارج حدود تركيا لتلتقي مع الوضع الكردي العراقي , فان استطاعت الاحزاب الكردية في طرفي الحدود التركية العراقية السمو عن المصالح الحزبية الضيقة فيمكن لهم لعب دور مهم جدا في المنطقة حتى لو بقوا ضمن نسيج دولهم دون انفصال . فوجود الكرد في دولتين يتبنيان افكارا عقائدية متناقضة وفي ظروف كالتي تمر بها المنطقة من حشد طائفي يمكن ان تساعد على ان يكونا حلقة وصل ليس بين الدولتين فحسب بل وبين المعسكرين في المنطقة كذلك مما يكسبهما نقاطا جديدة ويعطيهما مكانة متميزة يمكن العمل وفقها لما هو في صالح الاجندة القومية للكرد .
من جهة اخرى فان الابقاء على عدد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل تحت اسم جناح بيجاك العسكري ضد الحكومة الايرانية قد تساعد على المساومة السياسية فيها مع ايران مقابل تدخلها في الملف العلوي في تركيا كي تزايد على حكومة التنمية والعدالة في هذا الشأن وكسب نقاط سياسية جيدة قد يجعل من الكرد بيضة القبان في الصراع الموجود , و مع اهمية هذه النقطة إلا ان التحرك من خلالها يستدعي الكثير من الحذر لمنع وصول الموقف الى حد الصدام المباشر عسكريا .
ان للكرد اوراق كثيرة يمكن لهم المناورة عليها في مراحل اخرى متقدمة منها ملف المياه مثلا حيث ان مصادر النهرين ( دجلة والفرات) اللذين يعتمد عليهما الدول الثلاث ( تركيا وسوريا والعراق ) ينبعان من اراضي كردستانية مما يفسح المجال للكثير من المناورات مع الدول المستفادة منها . ناهيك عن موضوع الاستثمارات التركية في كردستان العراق وسيل اللعاب التركي للنفط والغاز الموجود فيها اضافة الى ان الاستقرار في كردستان تركيا سيجعل من هذه المناطق الخامة صناعيا مناطق جذب صناعي باعتبارها قريبة من الحدود التركية مع الدول العربية مما يعتبر ورقة رابحة بيد اللاعب الكردي في تركيا لا يفوتنا ذكر الانبوب العراقي التركي للنفط الخام والذي ينقل اكثر من ربع انتاج العراق للنفط الخام وهو يمر الى ميناء جيهان عبر اراضي كردستانية في الدولتين .
حاولنا فيما سبق المرور بسرعة على الافاق المفتوحة امام المناطق الكردستانية في تركيا والعراق لتطوير امنها القومي من خلال تحصين وضعهم السياسي والاقتصادي , وكما قلنا فان هذا سيتحقق فقط عندما تستطيع الاحزاب الكردية خلق تنسيق عالي المستوى بينها تهمل وبشكل كامل الاجندات الحزبية الضيقة وتجعل من الامن القومي الكردي اولوية في نهجها وبعكسه فيمكن لحكومة اردوغان وحكومة المالكي وإيران من استغلال التناقضات الكردية لتفتيت النسيج الكردي في الجانبين , لهذا السبب فالأحزاب الكردية مطالبة الان اكثر من أي وقت مضى بالتحلي بروح المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقهم .

انس محمود الشيخ مظهر
كردستان العراق – دهوك