الأستقرار الأقتصادي سلم الأستقرار السياسي

 

لعل من البديهي الأشارة الى الأزمات التي تواجهها مجتمعاتنا , ونتناولها في أحاديثنا وكتاباتنا ونبحث عن الحلول لها , وإنها قد نجمت في الأساس عن التنامي والديمومة للأسلوب المتسلط و ثقافته و الأنصهار فيه , والأندماج في بوتقة المتسلط بالتأثير المباشر وغيره بوسائله الترغيبة والترهيبة , اثرت على انشاء المكون الوطني وتحركت للمكونات الضيقة لعقود , الأيمان بالديمقراطية وصندوق الأقتراع يشعرنا أننا نجحنا في بلورة تفكير سياسي نضالي اسهمت في تحقيق دولة ديمقراطية , تلك العوامل لا تزال بحاجة الي إنتاج خصائص ثقافية مشتركة تفتح بوابة الأعتراف بالأخر للدخول في فضاءات التعايش السلمي المستدام , دون ذلك لا يمكن إنجاز البناء الوطني و رفاهية الشعب وحل مشاكل التنمية والأمن والخدمات والتعليم والعدالة الاجتماعية و الثقافة و المشكلات العشائرية .
العدالة الاجتماعية تعتبر واحدة من الركائز الاساسية للبناء الوطني و أي بناء للتنمية و النهضةلا يقوم على إستشراء الفساد والنشاط الطفيلي وسيادة القيم الإستهلاكية والتمدد على الأخرين ، والتوزيع غير المتساوي للموارد وثروات البلاد، ولا يضعها كهدف، هو في وادي والبناء و رفاهية الشعب في وادي آخر .

التحدي الرئيس الذي يواجه الكفاءات والتكنوقراط والصادقين لمشروع البناء الوطني ، هو كيفية تحقيق المعادلة الصعبة في التقدم الإقتصادي والقبول بالتحولات التي تجري في البناء الإجتماعي والتي تطال علاقات الإنتاج والمساواة في الحقوق وتقسيم الواجبات والأستحقاقات وبغيابها تمنع الفرص المتساوية لممارسة الحياة المدنية وتبادل الأدوار بعمل الفريق الواحد حسب القدرات ، وفى نفس الوقت الدخول في عملية ديمقراطية حقيقية تسمح بالتداول السلمى للسلطة. بمعنى كيفية الدمج بين السياسات الأجتماعية والاقتصادية ، من حيث تأمين الضمانات الأجتماعية والخدمات العامة، ورفع معدلات النمو والتوظيف والأستقرار السياسي ، وزيادة مستوى المعيشة، وترسيخ حالة ديمقراطية، يكون فيها للفرد دور حقيقي ويشعر بقيمته الوطنية وأنتمائه للوطن . بهذا الفهم، نقترب من نموذج الدولة المتقدمة أو دولة الرفاهية العصرية .

من الصعب تصور نجاح هذا البناء بدون توفر وتحقق وتشكل مشروع فكري سياسي ثقافي مصاحب, يتجاوز المصالح الفئوية والسياسية والطائفية والمناطقية والدائرة الأنتخابية .

الإنسان هو مركز وجوهر البناءهو التعليم ومحاربة الجهل ، وإنه ضرورة ملحة بزيادة درجة الوعي وتوسيع الأفق والحساسية تجاه دور الفرد ونظرته للآخر ولما يدور حوله ومعرفة الحقوق والواجبات والتعافي من التقوقع والتكلس والنظر الى ما حول النفس , وتنظيف الأدمغة من جرثومة سموم المناهج الراسخة .

عملية البناء تتطلب ثورة في التعليم و مناهج التفكير الناقد وقبول الرأي الأخر بمناهج المشاركة ، و الإنفتاح على العالم، للأيمان بالتعايش السلمي وتبادل الادوار والتعددية ،وعلى المبادئ والقيم الإنسانية. ونقطة البداية هي الثورة على ما هو قائم من مناهج التسقيط والأنقلاب على النظام الديمقراطي ورأي الشعب ومصلحة الدولة, والسطحية والخمول واللامبالاة,

البناء لا يستقيم بدون تنمية مستدامة تطال كل الميادين وكل البقاع. والتنمية الحقيقية والمعنية ببناء الوطني لا تعني مجرد افتتح شوارع وأزرع شتلة ثم تركهما , او الوعود بمشاريع عملاقة و ناطحاب السحاب والأعتماد على عائدات تصدير النفط فقط , طاقات كبيرة في الوطن بحاجة للأكتشاف والتفجير خاصة في مجال الزراعة والصناعة ، والعمل على ربط البلاد بحقائق العصر، وفي مقدمتها الثورة التكنولوجية، وتوسيع التعاون الأقتصادي والعلمي والتقني مع البلدان الاخرى المتطورة و جذب رؤوس الأموال الوطنية ومصادر التمويل ومنجزات البلدان المتطورة. وكل ذلك من أجل خلق مجتمع زراعي متقدم في الجنوب وتحريك المعامل المتوقفة في كل العراق ، كخطوة لرفاهية الوسط و الجنوب وتكون بداية الأستقرار الأقتصادي سلم للأستقرار السياسي , والتخلص من السلطوية الناجمة من حاجة المجتمع للعمل والرضوخ للضغوطات الداخلية والخارجية بسببها .