دائما ما تدور افكاري حول لعنة النفط، فهو السبب الرئيس للعديد من الازمات، ودعوني اليوم اتحدث عن البعد الداخلي لهذه اللعنة واقول انني اؤمن بان سببا رئيسا لتكالب الناس على السلطة في العراق يتعلق بان النفط مصدر حيوي مملوك للدولة، ومن يسيطر عليها يسيطر عليه، ومن ثم يرسخ قيمه وقيم طائفته وقوميته.. العنف الدائر منذ سنوات في واحد من اهم اسبابه هو عنف على السلطة ومال السلطة، ونفس هذا المال هو احد اهم اسباب القدرة العالية لمن يمسك بالسلطة ان يبقى ممسكا بها، فالسلطة المعززة باموال ريعية، واقصد تلك الاموال التي يتم الحصول عليها دون جهد ودون مقابل، يكون من السهل المضي في السيطرة عليها بسبب هذه الاموال، ونفس هذه الاموال تكون سببا رئيسا لتقويض قوى الديموقراطية التي يمكن ان تقود لتداول السلطة، فالمال السياسي الممسوك من قبل الحكومة واحزابها، يصبح أداة لرشوة الناخبين على الدوام، وذلك من خلال تقديم انواع الدعم وغض الطرف عن اية ضرائب او استقطاعات لقاء الخدمات التي تقدمها الدولة، هذا اضافة الى استخدام هذا المال في اكبر عمليات توظيف حكومي غير منتج.. تقود الى سكوت فئات واسعة عن المطالبة بحقوقها السياسية والاجتماعية. اليوم أضيف لجملة هذه التحليلات تمكن لعنة النفط من السيطرة على لعنة الطبيعة، فمن خلال اموال النفط الممسوكة من قبل الحكومة تتمكن الاخيرة من امتصاص نقمة الناس جراء غضب الطبيعة، وذلك بشراء هذه النقمة من خلال اموال النفط ايضا. اعرف ان الحكومة ليست مذنبة جراء فعل غضب الطبيعة هذا، فهو امر خارج عن اردتها ويحدث في اي مكان من العالم، لكنني اتحدث عن الاجراءات اللاحقة التي تقوم بها الحكومات. الحكومة النفطية عادة ما تستطيع ان تواجه هذا الغضب بسرعة اكبر ليس من خلال تدابير واجراءات تحوطية فاعلة، بقدر ما تتمكن من ذلك بفعل وجود العامل المالي الحاضر دوما. هذا ما حدث اثناء السيول التي ضربت مدناً عراقية جنوبية قبل ايام، فالاجراءات انصبت في اغلبها على تعويضات مالية سريعة للضحايا، وايضا على تسلّم المحاصيل الزراعية ؛ حتى لو كانت تالفة، ما يعني دفع مبالغ نقدية للمزارعين مقابل لا شيء ممكن ان يفيد الحكومة والناس! اخطر ما في الامر ان محاولات الانتقال من الفكر المركزي وتفتيته باتجاه المحافظات، وما يرتبط به من توزيع المسؤوليات؛ هو امر صعب للغاية، والامر يعود في جانب منه الى معضلة كبر ثروة النفط ايضا، فهذه الثروة، تقليدا يراد ان يحتفظ بها في خزائن المراكز التي من الصعب عليها القبول بالتنازل عنها الى ناسها الحقيقيين. لذلك وجدنا مثلا ان ازمة سيول الكوت والعمارة اديرت بشكل رئيس من بغداد ايضا، اذ ظهر واضحاً ان مجموعة من وزراء المركز يتزعمهم رئيس مجلس الوزراء، عملت من أجل تولي ملف يخص المحافظات.
|