الكرامة في الغربة.. وطن |
تتسارع اﻷحداث نحو منحى جد خطير وﻻ فرصة للحكماء والعقلاء لتدارك الموقف وسط تحشيدات كلامية لاطائل من ورائها سوى المضي قدماً نحو الهاوية، فبين هيبة الدولة والجيش والتي تمثل بشكل ضمني واضح (هيبة رئيس الوزراء) والتي رأى انها على المحك في مواجهة المناهضين لسياسته التي قادت العراق الى منزلق خطير باتجاه الحرب اﻻهلية الطائفية، ونتيجة للسياسات المبنية على جعل هيبة الدولة والجيش في المقام اﻻول على حساب كرامة الشعب العراقي وحرمة الدم العراقي والكيل بمكاييل مزدوجة، بدأ الشعور بالمواطنة يتراجع وأمسى الشعور الوطني في أدنى مستوياته وبشكل خطير ومخيف... وليس هذا من باب الدعوة الى اﻻستخفاف باﻻنتماء للوطن لكن إذا أخذنا اﻻمور من منظار الواقعية فإننا نشاهد بشكل جلي تقديم الطائفة والمذهب او القومية على اﻻنتماء الوطني وليس هذا خللا سايكلوجياَ نابعاً من نفوس ضعيفة او انتهازية او متعصبة تعصبا اعمى بل ﻷن سياسة التمييز الطائفي التي تنتهجها الحكومة حدت بالكثير الى تقديم الطائفة او القومية على ما سواها من اﻻرتباطات الوطنية وهذا يقود الى نشوء فرضية غربة في الوطن فعندما تنتهك اﻻعراض ويقبع اﻵﻻف من اﻻبرياء في السجون المغيبة ويتم اﻻعتداء على كرامة اﻻنسان في وطنه فإنه يخلص الى القول (ﻷن أعيش مكرما في اسرائيل خير لي من أعيش مهان في وطني) وربما يرى البعض اني تجاوزت جميع الخطوط الحمراء لكني لو أفترضنا اننا لو اتينا الى معتقل بريء، وهم كثر، تنتهك كرامته اﻻدمية ويلقى صنوفاً من العذاب وخيرته بين ان يبقى في الوطن يلاقي أسوأ ماابدعه العقل العراقي في وسائل التعذيب واﻻهانة وبين ان يعيش مكرما او على اﻻقل يعيش في حال سبيله في احدى الدول، لما تردد برهة في اختيار المنفى على اهانة الوطن له، وهذا يفسر بشكل علمي هجرة الملايين من الشباب الى دول المهجر وربما امتهانهم ﻻعمال غير ﻻئقة وهم لم يلاقوا من من ظلم الوطن القدر الكافي ليسلكوا هذا الطريق، ويتعزز قولنا هذا هجرة معظم الكفاءات العلمية واغلب الشعراء واﻻدباء والمفكرين الى خارج البلد بدعوى عدم توافق افكارهم مع الفكر السائد الذي يحكم البلد فكيف بمن ﻻقى شتى أنواع اﻻهانة والظلم والتهميش او انه بوشاية كاذبة دخل المعتقل، وياويلك اذا دخلت المعتقل وكان سجانك يخالفك الرأي اوالمعتقد او المذهب او اﻻتجاه السياسي او انه برشلوني وساء حظك اذا كنت من مشجعي النادي الملكي.. سوف تتمنى الموت ولست بمن يناله، وستسقط امامك كل الصور الجميلة التي صنعها خيالك الخصب عن الوطن والعيش فيه بين الاهل والاحبة والاصدقاء وستنسى أغنية (يعراق يومك هاليوم... يعراق شد حيلك كوم)، لقد أوجد الله سبحانه وتعالى اﻻنسان قبل ان تتنامى فكرة الوطن والحدود اﻻدارية لذا فاﻻنسان هو الذي يصون الوطن فاﻻولى ان تتجه اﻻنظار الى عمران اﻻنسان وهو بدوره سيعمر الوطن ويذود عنه، ولا زالت رطبة على شفاهي أغنية البرنامج التعليمي (سلامتك ).. «لأنك الانسان, تعمر الاوطان.. نود لك سلامتك..». اما ان نهدم اﻻنسان من أجل حفظ أشلاء وطن.. لم ير مواطنوه سوى (الحرب والالم والخراب والدمار وسرقة الاموال العامة وإستئثار فئة بكل ما يجود به الوطن من خيرات وأموال وحرمان الاغلبية الساحقة المسحوقة) فماذا يمكن لهذا اﻻنسان ان يقدم لهذا الوطن؟ لقد أصبح القول المأثور (الفقر في الوطن غربة... والغنى في الغربة.. وطن) من النظريات التي فرضت مصداقيتها، حيث العيش فقيراً في أغنى بلد في العالم يعد بحق غربة.. وما بعدها غربة.. وقد أستعاض الكثير عن الفقر في الوطن بأن أنطلقوا في رحاب الارض وقد أصاب الكثير منهم الغنى فخفف عنهم الشعور بالغربة واصبح الغنى الذي هم فيه في الغربة بمثابة الوطن.. وهؤلاء غادروا الوطن لاسباب اقتصادية.. فكيف لايغادر الوطن من شعر ان كرامته قد فقدت في وطنه وإذا لم تتح له الفرصة في المغادرة.. فأن مناسيب الشعور الوطني تتراجع الى أقل المستويات.. عند ذلك ستصدق النظرية الجديدة (المهانة في الوطن.. غربة... والكرامة في الغربة... وطن). |