تدعي الأنظمة الغربية إنها أدخلت نظام ديمقراطي فعال في حياة الشعوب، وإنها بهذا النظام الجديد أتاحت الفرصة لعديد من الأمم من إن تحدد مصيرها بنفسها ، واقصد هنا العملية الانتخابية بإطارها العام كفكرة وتطبيق ، حيث تدعي الرأسمالية الغربية إن الأنظمة الديكتاتورية تسعى دائما ان تتربع على كراسي الحكم من خلال التعسف والظلم والاضطهاد ، وإنها – إي الأنظمة الرأسمالية الغربية، جاءت وحررت الشعوب والأمم المقهورة من خلال إشاعة أجواء الحرية والديمقراطية وأعطت الفرصة للشعوب ان تختار قادتها وتحدد أنظمة الحكم السائدة في البلاد.
النثر والكلام الدعائي يخفيان الكثير ومغايران للواقع والظاهر غير الباطن وليس كل ما يقال هو مطابق لما يحدث فعلا، لا اريد مناقشة اصول العملية الانتخابية واختيارات الشعوب وماهية المصلحة من ان تحدد الشعوب مصيرها ونظام حكمها ، وهل ان كل ما يتفق عليه اغلب الناس هو الانجع والاصوب لحياتها ، وانها لو اختارت نظام حكم معين ، فهل ان هذا الاختيار ينافي للاصول الانسانية والعرفية والدينية التي نظمت حياة البشر منذ الازل.
الراسمالية الغربية وكما هو متعارف عنها تنظر الى المجتمع من خلال تحقيق مصالح الافراد واخص بالذكر المصالح المادية بغض النظر عن الاعتبارات الاخلاقية والانسانية، فالقاعدة العامة هي ان كل شي مباح للفرد من اجل تحقيق الربح المادي ولو على حساب المستضعفين او على حساب التعدي على العدالة الاجتماعية .
الغرب ومن خلال تتبع مسيرة التاريخ مارس و طبق عدة انواع من النظريات وغايتها هو تحقيق الارباح – كما اسلفت - فبعد الانقلاب على حكم الكنيسة واقرار نظرية فصل الدين عن السياسية (التي ادخلتها الماسونية العالمية) بل فصل الدين عن الحياة الاجتماعية بشكل عام ، فأن الاتجاه العام للنظرية المادية الرأسمالية انصب على اتجاهات متعددة لغرض الوصول لهدفه، ومن هذه الاتجاهات :
1) تحرير الفرد من القيود والمحددات الدينية، ولفظة (قيود) لا تعني السجن او التضييق ، بل انها تعني ان هناك اطر عامة للتعامل بين افراد المجتمع ، بين الفرد واهل بيته وبين الفرد ومجتمعه وبين المجتمعات عامة، هذه (القيود) كانت تقف عائق امام تحقيق اهداف الراسمالية الغربية.
2) زرع روح التطلع والسعي الى الربح المادي وتحقيق المنافع الشخصية دون النظر الى السلبيات والمضار التي يمكن ان تنجم عن هذا الربح او المشاريع التي تحقق هذه المنافع.
3) تحرير التجارة والتعاملات المالية من العامل الاخلاقي والتعامل باساس مادي100%.
4) الدين عبارة عن طقوس ومراسيم "روتينية" خالية من الروح والتأثير المعنوي.
5) ترسيخ فكرة جوهرية بين افراد المجتمع مفادها ان الراسمالية هي الاعلى والافضل والاسمى مع تحجيم دور الامم الاخرى ومحاولة طمس معالمها وتشويه صورتها من خلال طرق متعددة، مثلا تصميم شخصية _اسلامية ظاهرا_ وابرازها للمجتمع على انها شخصية جهادية مناضلة قارعت الاحتلال السوفيتي في افغانستان ومن ثم بعد ان يعلو نجم هذه الشخصية بين افراد المجتمع ...يصار الى تطبيق سيناريو معد مسبقا ... لتصوير هذه الشخصية هي الممثل الوحيد للاسلام ومن ثم تسقيط هذه الشخصية ، وبتسقيطها يتم تسقيط الاسلام كدين ومعتقد .
نعم، يوجد الكثير من الاتجاهات التي اعتمدتها النظرية الراسمالية ، لكن ما تقدم يحتوي على اهم الاتجاهات التي تتسيد منهج العمل الغربي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الانتخابات وباعتبارها مظهر من مظاهر الديمقراطية لاختيار نظام الحكم اولا والحاكمين ثانيا وهي تعبير عن اختيار الشعب من يمثله في ادارة شؤون البلاد، سواء كانت الانتخابات تشريعية (البرلمان) او تنفيذية (رئيس الجمهورية) .
أن المبدأ يكاد يكون واحد في الفكرة والمضمون باختلاف انظمة الحكم كانت رئاسية او برلماني او فدرالي، ويمكن تحديد ان للانتخابات مميزات وعليها ملاحظات ، حيث انها تحمل بين طياتها وفي بعض الاحيان سلبيات الى جانب الميزة الايجابية، واقصد هنا الانتخابات بمعناها العام.
ولا اريد في هذه العجالة إن اقدم تحليل لهذه السلبيات واناقش الايجابيات التي تمتاز الانتخابات بها، ولكن النظرة الفاحصة الشمولية لانتخابات العراق وبعد 2003 يمكن ان تقدم لنا صورة واضحة المعالم عن الموضوع مدار البحث.
من المؤكد ان يتأثر مزاج الافراد بعوامل تكون ذات اثر واضح في قراراتهم بغض النظر عن صوابية القرار من عدمه، فمن الواضح ان يكون للعوامل الاجتماعية والحياتية والظروف المحيطة بالفرد اضافة الى الانتماء العائلي والمناطقي والطائفي والعشائري اثر بالغ في اختيار الفرد للمرشح .
امتازت الانتخابات النيابية في العراق بهذا الامر، حيث كان للظروف التي عاشها ابناء العراق في ظل نظام صدام الاثر البالغ في اختياراتهم، فلا زال الخوف الصدامي مرتكز في الفرد، حيث البناء النفسي للانسان في العراق يعتقد ويكاد يجزم ان نظام صدام من المحتمل ان يعود الى سدة الحكم من خلال شخصيات واحزاب وتيارات معينة، والحق اقول ان صدام ونظامه وعلى مدى 40 عام رسخ هذه الفكرة وهو ليس بغبي او لايعرف ماذا يفعل، بل ان هذا الامر مخطط له ومعد سلفا، صدام صور للشعب العراقي والشعوب العربية المحيطة أنه يمثل طائفة معينة، وبزوال حكمه وطبيعة الدولة في العراق فانه سوف يكون للطائفة المنافسة اليد الطولى، واستخدم البعد القومي ، والعنصرية الراديكالية لتصوير هذه الحالة وزرعها في النفوس، هذا الامر ولد شعور بالخوف.
القادمين على ظهور دبابات الاحتلال استغلوا هذه الحالة ، فمثلا عام 2005 الانتخابات البرلمانية الاولى نزلت القوائم (الشيعية) تحت شعار الدين والمذهب والدعوة الى انتخاب القائمة الشيعية لكي لا يحكم البلاد مرة اخرى ازلام صدام والبعث و (السنة) ، ووصل الامر الى استغلال اسم المرجعية الدينية ونقل فتواه (باطلة) الى الناس البسطاء تصور لهم ان عدم انتخاب القائمة (المعينة) سوف يؤدي الى دخولهم الى النار (ان زوجتك عليك تحرم إن لم تنتخب القائمة الفلانية)، ولم يتلفت الناخب الى الاشخاص المرشحين ولم يبحث عن نزاهتهم او برنامجهم ، حتى انهم لا يعرفون الشخصيات فقد نزلت القوائم (مغلقة) .
وبعد الفوز والحصول على الاغلبية اتضح فشل هذه القوائم والشخصيات وازدادت معاناة المواطن وبشكل خاص في الجانبين الامني والخدمي. بغض النظر عن ازدياد حالات الفساد المالي وانتشار البطالة بشكل كبير، انتخابات 2010 تغيرت (الحيلة-الحبكة) فقد سبقت تلك الانتخابات وبعدد من الاشهر قضية (مفبركة) كانت بديل عن (حيلة) استغلال الدين والانتماء الطائفي، فقد شنت الحكومة والحزب الحاكم على وجه الخصوص حملة على فصيل سياسي منافس وبشدة والذي كان مستحوذ على الشارع الشيعي بشكل خاص ويلقى مقبولية من الشارع السني، فقد وظف الحزب الحاكم (شخصيات) تابعة له او انضمت اليه تعمل داخل هذا الفصيل السياسي ومارست جرائم وسرقات في اغلب المناطق التي تتبع ذلك الفصيل لكي تعطي ذريعة لتدخل الحكومة من جهة ومن جهة اخرى لتسقيط هذا الفصيل في الشارع العراقي عموما والشارع الشيعي بشكل خاص.
عندها شنت الحكومة او استطيع القول ، ذلك الحزب (الحزب الحاكم) حملة اطلق عليها (صولة الفرسان) ، استمال اليها الشارع العراقي وخدع البسطاء ، وازاح سيطرة فصيل معين عن مقاليد الامور، عندها جاء موعد الانتخابات وفاز ائتلافه بالانتخابات ، واقول فاز ، واضع تحتها الف خط، ولنا وقفة مع هذا الفوز ، اي نتائج انتخابات 2010، لنناقش حيثياتها ونتائجها بشيء من الموضوعية والواقعية .
تشكلت الحكومة وبعد مخاض عسير، من مجموعة من المتناقضات ، وجاءت بعد اتفاق (اربيل) سرعان ما نقضه الحزب الحاكم، بحجة عدم مواءمته للدستور، في حين ان الحكومة بنيت وتعهد رئيس الحزب الحاكم ووقع ورقة اربيل التي تنص على تفاهمات وتوزيع الحقائب والمهام وعدم حصرها برئيس الوزراء وعدم انفراده بالقرارات المصيرية ، ولكن وبعد ان اصبحت (التفاحة) بيد دولة الرئيس نقض العهد ، وتنصل من الاتفاق ، الم يكن يعلم حينما وقع الاتفاق انه منافي للدستور، الم يبلغه مستشاروه (او مستشارته الدكتورة القانونية) بان هذا الاتفاق لا يمتلك اي غطاء قانوني...!!؟؟
وعودة على بدأ ، فالمقدمة التي اوردتها وحديثي حول ديمقراطية الغرب الرأسمالي ، ونظرية حكم الشعب الزائفة التي يتشدق بها من لا يمتلك اي ثقافة واي دراية بتاريخ الغرب ، وما هي مخططاته، وللعلم انا لست من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ، او من الذين يرمون اخطائهم على غيرهم ، بل ان الواقع المعاش والتاريخ الذي لا يمكن لاحد ان ينكر ما فعله الغرب وعلى مدى عصور ، امتدت ما قبل ولادة السيد المسيح والى الان، اقول، ان الغرب وبتصديره نظرية الانتخابات لا لشي إلا لايصال من يراهم ينفذون اجندة تخدم مصالح القوى الكبرى، وإلا اذا كان الغرب يدعي الديمقراطية وحاكمية الشعب ، لماذا الغى او غض الطرف عن الغاء بعض نتائج الانتخابات التي جرت في بعض الدول ، وبالاخص الاسلامية والعربية، مثلا عندما وصلت جبهة الانقاذ في الجزائر وحققت نتائج متقدمة، او عندما حصلت حماس على الاغلبية في المجلس الوطني الفلسطيني ، او عندما وصل الحزب الاشتراكي في اوكرانيا ....والعديد من الامثلة.
خلاصة قولي ، وكما هو المثل الشعبي القائل " كل واحد يجر النار الى قرصه"، الغرب والقوى الاستعمارية تشجع الديمقراطية اذا كانت تتماشى مع مصلحتها ، وتدعم الانظمة الاستبدادية اذا كانت تخدم مصالحها.
وهناك الكثير من الملاحظات والمحاور اتركها للمقالات القادمة ...إذا بقيت بالحياة
|