اؤيد تشخيص السيد رئيس الوزراء بفشل السلطة التشريعية . لكن اذكّره أن في دعوته لحكومة اكثرية كان قد تذرع بفشل السلطة التنفيذية، أي السلطة التي يقودها. ما الذي لم يعد فاشلا في السلطة إذن؟ إنه النظام السياسي كله. لكن هذا هو رأيي الذي كتبته في عمود (فاشلون) المنشور في هذا الموقع، ولا يترتب عليه الكثير، فهو مجرد رأي. لكن ما الذي يترتب عليه والسيد رئيس الوزراء صاحبه؟!
رئيس الوزراء لا يفوت مناسبة الا ويمارس نقد ظاهرة من ظواهرالنظام السياسي الذي يقوده . (انتقد النظام الانتخابي مؤخرا) هذا ليس سيئا ، بل هو مطلوب من اعلى مسؤول في الدولة. لكن النقد ليس مجرد كلام نستخدمه لاثبات جدارتنا، بل هو تقويم تترتب عليه سلسلة من المواقف والاجراءات، ولاسيما إذا ما صدر عن مسؤول . ماذا نتوقع من النقد غير هذا فضلا عن توسيع افق؟
في بلداننا التي هيمنت عليها الدكتاتوريات والبطرياركيات تولى المواطنون واحزاب المعارضة مهمة النقد. الانقلابات العسكرية بدأت بالنقد . كل آمال التغيير بدأت بالنقد ، لكنها انتهت بتجديد الولاءات للبطرياركيات والدكتاتوريات. ما زالنا نقاتل من اجل البديهيات. نحن لم نتقدم كثيرا في قضايا الحرية وحقوق الانسان والمواطنية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية ، بل العكس ، ازدادت بلداننا توغلا في الاستبداد والتفاهة. لماذا؟ لان التغيير لم يتناول اسس التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتعليمي . التنمية لم تخترق الريف . الأمية ارتفعت . المرأة اعيدت الى المطبخ . لقد واصلت الانظمة تبخترها الأفقي، وواصل ابطالها ، بمن فيهم الاسلاميون ، المشي على الارض مرحا، مستخدمين التاريخ في تحطيم اسس الحياة المدنية الحديثة ، داعسين في طريقهم حتى ما بني بشقاء المواطنين وذكائهم. لا يمكن للبطرياركيات السياسية العربية ان تبني دولة الا على صورتها المشوهة كارتداد دائم لماض اسطوري ، واستخدام القومية والدين في المعارك السياسية ، ثم الارتماء في حضن طائفية منغلقة مليئة بدسائس الماضي.
بلداننا هي من اكبر منتجي النقد بطابعه السياسي المباشر.. نقد لا ينضب لأنه مدور في عملية اعادة انتاج قهرية. دائما نعود ولا نتقدم . نقدنا السياسي يتسع لكنه لا يبني شيئا . نحن نواصل البقاء في مستودع الافكار التاريخية الزنخة بعيدين عن الحياة المتجددة القائمة على التجربة والمعرفة.
إذا ما وضعنا نقدات السيد رئيس الوزراء على محكات التجربة نرى الآتي: في النقد يضع نفسه خارج الموضوع الذي ينتقده كأنه ليس واحدا من متعهدي النظام الذي تأسس عام 2003 وركنا من أركانه. هذا الاسلوب تستخدمه عقلية إسقاطية تتبرأ من الخطأ وتسقطه على الآخرين ، فضلا عن أنه نقد يجري لاغراض سياسية مباشرة كعادة النقد السائد في بلدان لم تحل المشكلة السياسية بعد. إن السيد رئيس الوزراء يبدو محاصرا بدستور لا يسمح له بالتحرك على راحته ، وبسلطة تشريعية تؤخر ما يريده منها، وبسلطة تنفيذية ارادتها التنفيذية ضعيفة، لأنها ليست سلطة أكثرية. هل فهمتم لماذا يتحرش رئيس الوزراء بهذه السلطات جميعا؟
نقترح ان نسمي نقده بـ (عدم رضا) من السلطتين التشريعية والتنفيذية. لو كان نقدا لادركنا أهدافه الديمقراطية داخل النظام السياسي وملابساته، ولحصلنا على نتيجة منه ، وفهمنا الوضعية السياسية – الاجتماعية التي عملت مع السيد رئيس الوزراء أو ضده، ثم نلتقي اخيرا بأصابعه التي اسهمت في صياغة كل هذا الذي لم يعد يرضيه!
نعرف أن السيد رئيس الوزراء سعى الى توسيع صلاحياته لكن لم يستطع ذلك بسبب موازين القوى في البرلمان. البرلمان يؤخّر ويتأخر. لكن ماذا عن مجلس الوزراء؟ انه غير متجانس! لماذا؟ لأنه نتاج البرلمان، والوزراء من كتل البرلمان ، كما أنه يمثل ما يدعى حكومة الشراكة الوطنية وليس الاكثرية. ويالها من دورة تبدأ من السلطة التنفيذية المنقسمة وتنتهي بالبرلمان المنقسم، أو تبدأ بالبرلمان المنقسم لتنتهي بالسلطة التنفيذية المنقسمة . برلمان الكتل الكبيرة أعيد انتاجه في حكومة المحاصصة ، والاخيرة تتلألأ في وجوه النواب.. وبالرغم من ذلك لا يوجد تجانس لا في الحكومة ولا في البرلمان لكي تأخذ دولة القانون ما تريد منهما.
لكن تلك هي اللعبة الديمقراطية بشكلها التخطيطي المبسط . إنها مليئة بالمصادفات وموازين القوى غير المشروطة بإرادة قائد سياسي واحد. في اي بلد ديمقراطي يقوده ديمقراطيون تُلعب هذه اللعبة المعقدة في شروطها الموضوعية. لو كان لاعبونا ديمقراطيين حقا لباشروا من البداية بناء دولة القانون المدنية التي هي طرف العقد الاجتماعي، لتقوم بواجباتها في خدمة المواطنين من دون اكتراث لتراهاتهم وجدلهم وخبثهم وصراعاتهم وخطب برلمانهم المملة . لأراحوا واستراحوا. لكنهم بالعكس جعلوا الدولة مطية تُركب وبقرة تُحلب. ابطال 2003 حصلوا على الدولة كمكافأة على نضالهم (هههههه) . لقد حولوا الدولة الى لعبة (بيت بيوت) التي تجيدها البنات الصغيرات : بيت على قدر الاحتياجات واللهو!
هل في برنامج دولة القانون من العقول الخطرة والمليئة بالخبرة بحيث تتبرم وتضيق ذرعا بالسلطة التشريعية، وقبلها بالسلطة التنفيذية؟ لكننا نعرفهم ونعرف انجازاتهم التي تماثل انجازات منافسيهم. الجميع فاشلون، دولة قانون، عراقية، شيعة، اكراد، سنة، لا يستحقون مناصبهم، وأي اصلاح سياسي حقيقي سيضعهم بمساءلة قانونية، من هنا فهم كلما مارسوا النقد وظهروا بمظهر النباهة والاخلاص، توصلوا الى إغلاق باب الاصلاح السياسي وضمنوا الفوز بخراج (الري)!
إذن ..التنفيذية فاشلة والتشريعية فاشلة، حسب ما يراه السيد رئيس الوزراء وأراه قبله او بعده. أما التنفيذية التي بيدها الاسلحة والجنود والشرطة، سر الاسرار المنتهك على مدار الساعة، فهي الفشل متوّجا.
من الناجح؟
ارفع يدك يا بطل ، ارفعها عاليا كي نراك!
|