النبّاشون!!

 

نبشَ الشيئ: إستخرجه بعد الدفن.
ونبش الموتى: إستخراجهم بعد الدفن.
وفي سامراء يقولون "نعله على نبشة أبوك أو أمك" , "مِن إنبش أبوك على هاي الدكه", وهي تستعمل للسبّ , وتشير إلى جسامة الفعلة.
ونبش القبور سلوك بشري معروف على مر العصور .
فبعضهم ينبش القبور لسرقة شيئ ما , كسن الذهب, والبعض ينبش القبور لممارسة الجنس مع الأموات.
وفي التأريخ , كان الأثرياء يحفرون قبورهم في أماكن شاهقة وعصية عن الوصول , لتفادي نبشها من قبل سراق القبور.
ونبش قبور الفراعنة معروف , برغم كل ما حاولوه من قدرات التمويه والغش والإختفاء , وعظمة البناء.
وهناك قصص كثيرة ومتواصلة عن هذا السلوك في جميع المجتمعات.
ومنذ بداية هذا القرن , ونحن نسمع عن نبش القبور في مجتمعاتنا, ففي العراق , وبعد أن تغيرت الأحوال, نبشوا قبورا وأحرقوا رفاة مَن فيها , وفي غيرها من البلدان نبشوا ما نبشوا , وها نحن نسمع عن نبش هذا القبر أو ذاك , لمن ماتوا قبل عشرات القرون , وماذا تبقى فيها سوى التراب.
لكن فعل النبش يدل على إضطراب سلوكي , وعاهات نفسية يعاني منها النباشون , أيا كان نوعهم ومعتقدهم.
وفي حقيقة النبش أنه من الإنحرافات السلوكية التي تستوجب المعاينة والعلاج , لكن البعض يقترب منها بإنفعالية ويحسبها ذات علاقة بمعتقد أو دين أو مذهب , وغير ذلك من التأويلات المنفعلة الحُكمية.
فهذا العمل سلوك شاذ متكرر , ولا جديد فيه على الإطلاق , لكن هناك توجهات لتسييس الإنحرافات والإضطرابات السلوكية وتعميمها , وتحويلها إلى قضية ذات تداعيات وأبعاد سيئة, وتوظيفها لأغراض ونوايا خفية ومدمرة.
فيتم إستهداف قبر لشخصية ذات قيمة ما ونبشه , وإشاعة السورات الإنفعالية حول الفعلة السيئة , وبناء الحالة النفسية اللازمة والمعززة لسلوك أسوأ وأكثر شرا وتأثيرا وتدميرا , وهكذا تمضي طاحونة الفناء النفسي والفكري والإعتقادي , لكي تحيل الموجودات إلى طحين تذروه رياح الخسران.
فهذا السلوك يشير بوضوح دامغ , إلى أن هناك إستغلال مقيت لأصحاب النفوس المريضة والإضطرابات السلوكية المنحرفة , وعلى المجتمع أن يؤهل نفسه لتوفير القدرات والخبرات النفسية اللازمة لمواجهة هذه العاهات , التي قد تفتك به وتحطم أركانه بالكامل.
وهو مطالب بوعي النوايا والأهداف , وفهم ومواجهة ومعالجة هذا الإنحراف الموظف لتمزيقه , وتوفير الوسائل اللازمة لتأهيل أصحابه للقيام بالسلوك المتفق ومعايير المجتمع.
وفي مجتمعاتنا , هناك تردي وضعف في الخدمات والثقافات النفسية والسلوكية , ونكران لأهميتها وقيمتها وضرورتها للمجتمع , بل أن الأنظمة السياسية تتطير منها , لأن معظم أعضائها ربما بحاجة إلى مداخلات علاجية لتفاعلاتهم السلبية , التي يدفع المجتمع خسائر باهضة بسببها.
,وكثيرون يفسرون السلوك من وجهة نظر أخرى مطلوبة ومرسومة , لكي يحقق أهدافه المغرضة , لكن التفسير الأصوب والأرجح , أن القائمين به من منحرفي السلوك , الذين يتم توظيفهم لغايات دنيئة ومشينة للنيل من التأريخ , وحفر الخنادق ما بين أبناء الدين الواحد والمجتمع الواحد.
فلا بد من العلمية والموضوعية والحذر والحذق في تناول هذه الموضوعات , التي تهدف إلى غايات عدوانية , وتوفير دواعي إنفعالية وعاطفية , تعزز دوران طاحونة الخراب والدمار في مجتمعاتنا , التي يُراد لها أن تنزف وجودها وتتحطم في هذا القرن الشديد!
فاحترموا موتاكم إن كنتم مسلمين!!