الحرب وبداية التقسيم !

 

تعود بدايات الحكاية إلى عام 1980 عندما صرَح مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي ( بضرورة أشعال المزيد من الصراعات التي من شأنها أعادة رسم خارطة المنطقة العربية بشكل مختلف عن سايكس بيكو ) , كان هذا التصريح بمثابة الضوء الأخضر لأحد أبرز المهتمين بالشأن العربي وهو المختص بالطوائف الإسلامية اليهودي برنارد لويس , الذي قدَم مشروعه لتقسيم الشرق الأوسط على أساسين هما : الدين أو بصورة أدق ( الطائفة ) , والعرق . لم ينتهي الجزء الأول من الحكاية إلا عام 1983 حين وافق مجلس الشيوخ في الكونجرس الأمريكي على مشروع (لويس ) وأدراجه ضمن الخطط المستقبلية للولايات المتحدة .
منذ ذلك الحين توالت الأحداث كنتيجة لأسباب طبيعية وأخرى طارئة وصولاً إلى ما أصطُلح عليه (الربيع العربي ) والذي يبدو أنه الجزء العملي من نظرية الشرق الأوسط الجديد ,لم يعد هناك جدل حول واقعية النظرية بعد أن تبنَاها أصحاب الأرض برغبة عارمة.. حتى بعض من أدرك حقيقة المؤامرة أقتنع بالقدر المفروض بشيء من الأستسلام واليأس , ولعل السكوت نتيجة حتمية لنجاح , المعنين بأسقاط الفكرة على الأرض , في خطوة مهمة تجاه تحقيق الهدف ألا وهي تكوين رأي عام مقتنع تماماً بالآليات المعدة لإعادة تشكيل المنطقة .
وبالعودة إلى أصل الفكرة نجد أن العراق هو أبرز وأهم البلدان التي يجب أن تعاد هيكلتها وفق الخارطة الجديدة لسببين , الأول تنوّع الطيف العراقي والثاني هو أنه البلد الأقل أستقراراً منذ عقود . وإذا ما أخذنا الوضع الداخلي نجد أن التطور الحاصل صاحبه صياغة وأنبثاق مفاهيم وأدبيات كانت محظورة في السابق أبرزها موضوعة التقسيم التي راجت واصبحت مطلب أساسي لبعض الفعاليات السياسية والأجتماعية المحاكية للربيع (السلفي ) , صار مفهوم الوحدة مترنحاً لا يقوى على مقاومة النزعات الأنفصالية المعلنة ! ... يبدو أن بعض ساسة البلد أبتلع الطعم , فمنهم من مارس الأزمة والآخر قام بتغذيتها والأثنان يعملان بوحيٍ من الخارج , وهنا استذكر تصريحاً مثيراً لرئيس مجلس النواب العراقي أثناء زيارته إلى أمريكا عام 2011 , حيث لوَح بإقليم سني .. الأحداث تضطرنا لوضع هذا التصريح موضع الريبة كونه مرتبط بالمشروع مكاناً وزماناً !
أصبحت الساحة السنية مهيأة لتقبل هذا الموضوع الذي رُوج له كعلاج لحالة الظلم المبالغ بها أو المفترضة في بعض الأحيان ... بدأت المقدمات بتظاهرات وأعتصامات عمّت المحافظات السنية الثلاث ,سوء تعامل الحكومة مع المستجدات ومحاولة تسفيهها , أضافة إلى دخول تركيا وقطر على خط الأزمة ساهم بإنماء تلك الروح الأنفصالية وديمومتها , جديرٌ ذكره أن الدولتين لهما علاقة طيبة مع إسرائيل التي تنتظر الشرق الأوسط الجديد بشغف كبير !.. ولعل الهدف الرئيسي من الأزمة والذي يغفله المتظاهرون أنفسهم هو الذي عطّل عمل اللجان المشّكلة في تحقيق أي تقارب , بل نكتشف أنحرافاً خطيراً يستجد كل يوم , وكأن القائمين عليها ارادوا قطع كل سبل العودة , فتورطت أسماء كبيرة بعمليات الذبح والقتل لعناصر من الجيش العراقي . المنحى الآخر الذي أخذت تتجه صوبه الأحداث هو تكاثر العمليات الارهابية في العاصمة ومناطق أخرى في سعي حثيث لأستثارة عواطف أطراف بذاتها .. ما يراد هو الأنزلاق في أتون حرب أهلية يعتبرها أرباب المشروع لازمة لبحث الحلول العملية وأهمها التقسيم , أي أننا سندخل أو دخلنا بمرحلة (الفوضى الخلاًقة ) .
لكن ورغم صعوبة الحل وتداعيات الأزمة التي لم تعد سهلة , تبقى فرص التهدئة ومغادرة التناحر متوفرة شرط أن يكون الخيار الوحيد الذي يتعاطى معه الساسة جميعهم , دون الاهتمام بتفاصيل مهلكة , هو الحوار غير المشروط , وثانيا أن يسلكوا طريق الوحدة غير مبالين بحالة الشارع المنتمين له سواء كان معارض أو موافق .. ثمة خيار آخر يجب أن يكون حاضراً كبديل , وهو الأعتماد على الدستور في وضع سقف زمني يجري خلاله أستفتاء شعبي في المحافظات الراغبة بتشكيل أقليم وتهيئة الأرضية اللازمة لذلك .