الثارات القديمة و التعايش

 

فيما تعيش منطقتنا تغييرات عاصفة، لتقرير ماهية دورها العالمي الجديد سواء في مجال الطاقة و النفط و الغاز، و في مجال الامن العالمي . . او كاسواق مربحة لتصريف بضائع الاقطاب الصناعية المعروفة و الاخرى الجديدة الصاعدة في المنطقة ـ كايران و تركيا ـ ، و التي تتكدّس و يهددها الكساد، بسبب معدلات الانتاج الهائلة او لاسباب اخرى ـ الحصار على ايران مثلا ـ . . بعد ان بدد الدكتاتور صدام ثروات العراق على مشاريعه العسكرية و حروبه المجنونة . .
فبعد ان كانت منطقتنا تشكّل اكبر الاسواق لتصريف البضائع العالية الربحية و في مقدمتها "السلاح" : انواع الاسلحة و المعدات و الآليات العسكرية التي يقلّ الطلب الاستهلاكي عليها في دول الغرب . . صارت المنطقة اضافة الى كونها اكبر اسواق سلاح، من اكبر الاسواق لتصريف السيارات و الاجهزة الكهربائية و الالكترونية و اجهزة الاتصالات الحديثة التي تتطلب زيادة المعرفة لأجل استخدامها ـ معرفة توفرها الاحتكارات ذات العلاقة ـ . . 
اضافة الى تزايد تصريف الاطعمة المحفوظة و انواع الشاي و القهوة و السيكاير و الادوية و الاجهزة الطبية و الاسعافية و انواع الملابس العسكرية الميدانية الغالية الاثمان و غيرها التي يتزايد الطلب عليها بسبب تزايد الصراعات العنيفة و عدم الاستقرار فيها و تسيّد الخطاب الثأري، و بسبب جعل الدين الحنيف و بالتالي اعتماد الطائفية السياسية، اداة لتحقيق السطوة و الارباح . 
و فيما تتغيّر الاهميات الستراتيجية لدول المنطقة بسبب الاكتشافات الجديدة لثروات بواطن اراضيها، او بسبب التغييرات الستراتيجية التي طرأت و تطرأ على موازين دول المنطقة و مكوّناتها و مواقعها . . التي جعلت التنافس حادا و عنيفاً عليها بضغوط و صراعات الاقطاب العالمية العملاقة و الاقطاب الاقليمية و القارّية الباحثة عن تحقيق ارباح فلكية بضوء تلك التغييرات . 
تشتد اثارة الصراعات الطائفية و الدينية بشكل و كأنه مخطط من قوى عظمى و اقليمية ذات سطوة، تتشارك في عمليات تستهدف جعل تلك الصراعات ستاراً كثيفاً لسرقات لصوصية كبرى، و من اجل السيطرة و توجيه الازمات الناتجة عن الاستغلال و الاستبداد و القمع، سواء على صعيد دولي او اقليمي موظفة لذلك انقطاع المنطقة او ضعف مواكبتها لركب الحضارة العالمي طيلة ما يقارب نصف قرن . . بسبب اجراءات و قوانين الدكتاتوريات العسكرية و الحكومات الاوليغارشية (حكومات العوائل) التي حكمتها، و التي يستمر تأثيرها رغم تغييرات كبيرة جرت و تجري، في وضع اقليمي يرى فيه خبراء بكونه يشبه الى حد بعيد ظروف المنطقة في الحرب العالمية الاولى، قياساً بركب التطور المتسارع الجاري في عالم اليوم . 
و بسبب تسيّد الجهل و التخلف في المنطقة و شيوع اليأس و اللابالية و الايمان بالاقدار، بعد ان اهتز ايمان اقسام كبرى حتى بالقادر القدير ( الذي لم يستطع ان يحمي مقام الامام الهادي في سامراء حيث غاب المهدي في السرداب . . من الارهاب) . . تحرّك تلك الإثارات ملايين الجماهير الامية و العاطلة و اخرى من المدمنة على المخدرات و غيرهم الكثير من المظلومين في حياتهم و العائشين على امل ظهور المخلّص، ليخلّص الارض من الظلم و من الحكّام الفاسدين . . الملايين التي يسهل توظيف عواطفها ـ لآلاف العذابات ـ لمن يمتلك محرّكيها بماله و سطوته من خارج الحدود(1) .
و فيما يرى محللون ان مايجري يشعل صراعات نائمة و اخرى تصوّر عديدون انها انتهت بسبب تقادم الزمان و مافعله التمدّن و التطورات الاجتماعية و الثقافية و السياسية، و بسبب ثراء المنطقة و ماتدرّه ثروات النفط و الغاز على بلدانها، ثم بسبب الاهتمام عالميا ببلدانها و باستقرارها، لأن الاستقرار فيها يلبّي تطمين الحاجات العالمية اليها . . فقد فات عليهم ان استقرار المنطقة بنظر بيوت المال العالمية قد لايزال يقوم على حاصل (محصّلة) صدامات دول المنطقة فيما بينها، و ادامة تلك الصدامات ـ في نطاق سيطرتها ـ بكل الوسائل و الحجج . . سواء بنبش مفردات ماضٍ قاسي او بالمقدّس الديني و الطائفي و صراعاته الدموية . . التي تتجاوزه الدول السائرة على طريق التقدم الحضاري و الرقيّ في العالم، بعد ان تجاوزته مكوّنات دول الغرب التي تحرّمه دساتيرها و تتحرك حكوماتها بالسرعة اللازمة لتطويقه و انهائه ان ظهر شرر بسيط منه . 
يرى آخرون ان دول المنطقة عاشت و تعيش منذ تأسيسها ـ بضوء نتائج الحرب العالمية الاولى ـ عاشت كدول بمكوّنات متنوعة طيلة قرن تقريباً (2). لأن بناء الدولة و نشاطها آنذاك حقق رخاءً و امناً لأبنائها قياساً بما مضى، و حقق قضية وطنية سياسية و مصالح وحدّت الاطياف القومية و الدينية و المذهبية و الفكرية على اساس الهوية الوطنية . . هوية جمعت القوى و المكوّنات الداخلية و وحّدَتها من اجل خير الجميع فيها، فكونت قوة ملموسة لدولة وطنية رغم كلّ الفتن و الثارات القديمة . . كافحت من اجل تحقيق مكاسب في العمل و التعليم و التأهيل المهني لتأمين العيش بكرامة، و شجّعت الكينونة البشرية الطامحة الى الافضل، لأجل ابنائها جميعاً . . رغم انواع المصاعب و التجاوزات التي اوقفتها جماهير الشعب حينها بمكوناته و باحزابه السياسية و مؤسساته المدنية .
و هو الامر الذي يُطرح بقوة الآن من اجل تحقيق دولة عراقية اتحادية قوية تقوم على اساس برلمان منتخب فاعل . . دولة تلبيّ حاجات الشعب بمكوّناته و خاصة في الامن و الخبز و العمل لأوسع مكوناته الفقيرة، دولة تحارب الفساد و المفسدين و سارقي اموال الشعب . و تؤكّد العديد من الهيئات الدولية و وكالات الانباء، اضافة الى العديد من اصحاب الخبرات المتنوعة على الضرورة القصوى لتفاهم رجال الحكم و كتلهم المتنفذة فيما بينهم على اساس مايجمع و يوحّد، و ضرورة تفاهمهم مع تلك القوى العظمى، و التعامل التفضيلي و التفاهم مع اطراف نافذة منها لمواجهة اخرى فيما يخدم البلاد الغنية و آفاق مسيرتها و سيادتها، على اساس حساب المصالح و المنافع المتبادلة وفق الواقع القائم و آفاق الخروج منه .