القاصد والقصيدة الاعلامية... كريم السيد

 

 

 

 

 

مارس الادب عموما، والشعر بصورة خاصة، دورا اعلاميا كبير بعدما كان الاداة التي تربط الجمهور بالحدث بغياب آلة الاعلام الموجودة هذا اليوم. ومن المسلمات ان يشوب هذه الالة القدر الكبير من الاهمية والحفاوة لانها سوف تعمل على اضفاء الشرعيات وعدمها للممالك والعروش ، وهي ما يسبق طبول الحرب وتحضيرات المعارضة ، وستكون حلقة الوصل بين الحاكم ورعيته. وما كانت تقوم به القصيدة من دور - كونها الجنس الادبي الاكثر وضوحا آنذاك والاكثر جذبا لأذن السامع من فنون الادب الاخرى كالخطابة والرسائل- يكاد لا يختلف عن دور مختلف وسائل الاعلام الحالية التي تصنع من الحبة قبة والشيء من العدم, على ان القصيدة الاعلامية كانت محسورة في جغرافية اقل نطاقا من الوسيلة الاعلامية الحديثة لكن اهدافها لا تختلف عنها ولا تقل اثرا ونتيجه.
وجدت ضالتي اخيرا بمثل هذا الموضوع الذي لطالما شدني بعد ان نثر بذوره الدكتور الراحل علي الوردي في كتابه الموسوم (اسطورة الادب الرفيع) وها هو العنوان بيدي الان بعد ان فاض الشاعر والناقد حسين القاصد منه بما يرضي ذلك الفضول المشروع. ولذا وجدتني التهمه بعد ان اغراني القاصد في مقدمته بمدى موضوعية الطرح وحيادية الرؤيه اذ يقول "لذا جاء هذا الكتاب راصدا للقصيدة الاعلامية في الشعر العراقي الحديث وعوامل انتشارها ومساهمة نقد المؤسسة في الترويج له, على ان المؤلف لم يكن بصدد الوقوف مع او ضد هذا الشاعر او ذاك، ولم يكن مستهدفا لشاعر بعينه بقدر ما كان الكتاب معنيا بتشخيص ظاهرة القصيدة الاعلامية" ولهذا كنت اتتبع فصوله واجد نفسي مسلما بصدق المؤلف ورويته بتقديم الدليل.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول ، بحث المؤلف فيها علاقة القصيدة الاعلامية بالتراث وجذورها الاولى، ووقف عند القصيدة المستعملة (وهو مصطلح ثقافي من ابتكارات القاصد )وقصائد المناسبات ، وكان من حسن حظ هذا الكتاب ان يقع بيد مؤلفه - كما يقول - كتاب اسمه قصائد للميثاق فكانت معه وقفة طويلة، بينما تفرغ الفصل الثالث الى ما اطلقت عليه (الزواج المؤقت ) وهذا العنوان مستوحىً من كتاب العلامة د . محمد حسين الاعرجي في كتابه (الجواهري دراسة ووثائق) ، واتخذ منه تأسيسا لقراءة بعض القصائد الاعلامية حسبما يذكر المؤلف.
استهوتني في الكتاب عبارة اجدها شمولية لاستقرائه وعميقة وموفقة جدا ، تعطي تصورا واضحا عن وصف الشاعر الواقف خلف قصيدته الاعلاميه " هناك اكثر من صور للشاعر ﻓﻲ تراثنا : صورة المادح الذي جعل من الشعر حانوتا يدور به على طالبي المديح، وهي الصورة الغالبة التي استمرت زمنا طويلا ، نتيجة تعقد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وصورة الشاعر اللاهي الذي يغنم من الحاضر لذاته دون ان يعبأ بشيء بعد هذه اللذات، احتجاجا على فساد حاضره السياسي الاجتماعي".
علاوة على ما تقدم واستقراء لأفكار المؤلف ارى ان الأدب والشعر خصوصا لم يكن لينحصر بزاوية الاعلام فقط كسلطة رابعة كما هو اليوم, اذ نجد ان للشعر فيما سبق مفعولا يتجاوز فيه كيفية السلطات المعروفة اليوم بالتنفيذية والتشريعية والقضائية كون تلك السلطات كانت مجتمعة بيد الحاكم وحده ، وهذا ما يجعلنا نطمئن بالقول ان الشعر كان سلطة لوحده سواء كان شعر معارضة ام شعر اعلام كما اثرانا به حسين القاصد بكتابه القصيده الاعلامية.
يبقى ان نشيد بالجهود التي اوصلت هذا الكتاب المهم الينا, ولا ننسى ان الكتاب كان ضمن كوكبة المؤلفات التي طبعت بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربيه.