السياسة والزُبدة والخطر..!

 

يفتقد جوهر العملية السياسية الى مقومات عدة، في مقدمتها إحترام القيادات السياسية لنفسها ولوعودها وأقوالها وللشعب  في المقام الأول..ويعتنق معظم تلك القيادات النظرية الميكافيلية في إدارة الدولة..النظرية الميكافيلية المبنية على مبدأين لا ثالث لهما، الأول هو أن ولوج العمل السياسي، يجب أن يكون على قاعدة أن السياسة هي فن الممكن..والثاني هو ان الغاية تبرر الوسيلة..

ولعمري فإن ذلك هو ما تسبب بكل مشكلاتنا منذ أن تغير نظام القهر الصدامي، الذي كان هو الآخر معتنقا وبقوة لهذه النظرية الشيطانية في العمل السياسي..

في الملمح الأول من ملامح الميكافيلية العراقية الجديدة، حيث كلام الساسة مصنوع من الزُبدَةِ ، لكن ما إن تعلو الشمس عليها فأنها تسيح..! فلقد تميزت الفترة المنصرمة من حياة العراق السياسية بظاهرة التناحر السياسي، وكان هذا التناحر على أشده عند حلول أوقات الأستحقاقات السياسية..الأتفاقات السياسية في معظم أطرها تقفز على الدستور والقوانين، كما تتجاهل في معظم الأحوال رغائب المواطنين ومشكلاتهم، وفن الممكن الذي درج الساسة العراقيين على ترديده ببغاويا، وهو تعريف لا يصلح لنا ولا ينسجم مع تراثنا وتقاليدنا، ناهيك عن عقائدنا، ففن الممكن يعني أن يقول السياسي كلاما اليوم ، ويعد وعدا في مكان ما لفئة ما، ثم "يلحس" قوله ويتنصل عن وعده بدعوى أنه غير ممكن..

في الملمح الثاني المتعلق بغائية العمل السياسي، يبدو أن اختلاف المناهج والرؤى والأطاريح،  وعدم العمل من قبل التيارات السياسية باتجاه تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية، وعدم البحث عن مشتركات عملية وفكرية، كان عاملا مهما في ملاعب السياسة، يكمن دوما تحت السطح ليخرجه الراغبون بتازيم وضع ما،  لتحقيق مآربهم على اختلاف مشاربهم.

 وخلافا لما يفترض من أن عامل الزمن قادر على حلحلة العقد، لكن في حالتنا ونتيجة لإعتناق الساسة المبدأ الميكافيلي ، فان عامل الزمن عمل يعمل بالاتجاه السلبي ، فبدلا من ان يعمل الزمن على تفكيك عوامل الخلاف، ساهم بتكثيفها لان الذين يعملون بالشأن السياسي ومن كل المكونات، وان كان ذلك بدرجة متفاوتة لم يولوا مشكلات الإختلاف العناية المستحقة، بل كانوا دوما يتجاهلون ضرورة قبول الاختلاف، كمقدمة لقبول الآخر وتفهم رأيه، ومن البديهي أن للزمن إستحقاقاته، سيما وأن تجاهل الاختلافات يصيرها بالتقادم الزمني، الى خلافات تحتاج جهد عظيم حتى يمكن تجاوزها.

كلام قبل السلام: واحد من أخطر تعاليم الميكافيلية وأقذرها يقول: إذا أردت أن تقود شعبا فضعه في خطر دائما..!

سلام..