من مؤشرات التحضير المؤسفة للحرب، ذلك الظهور المعلن للميليشيات، التي اخذت تستعرض قدراتها، ليست الثقافية بالتأكيد، وانما العسكرية المسلحة، حتى بتنا نرى بزات خاصة، وأعلام، وشارات، تؤكد هويتها، واصبحنا نسمع لقادتها مواقف متشددة وتهديدات واضحة وصريحة، لجهات، بل وحتى دول، وكأننا نعيش في وسط اقطاعيات مسلحة، لكل واحدة قوانينها وأهدافها، حتى جاء عن بعض قياداتها انها ستنصب سيطرات، وستتحقق من هويات المواطنين، ولا ندري ما صفتها الرسمية في مثل هذه الاجراءات سوى ان تكون سيطرات وهمية يختفي من خلالها المارين، سواء على الهوية، أو على أي تقدير آخر، فيما ذكر شهود في بعض المناطق عن ميليشيات أجرت جرودا على السكان على اساس طائفي واضح، ولا ننسى كيف ارادت إحدى الميليشيات ان تثبت قوتها باعلان جيشها الجرار الذي بلغ تعداده المليون الى جانب الامكانيات التي اعلنتها والتي تفوق امكانيات الحكومة نفسها، وهو ما اكدته في العلن، ومن دون مواربة أو تختل.
فيما خرجت علينا ميليشيات أخرى، من تنظيمات الخارج، لتؤدي فعاليات مسلحة، في دولة جارة، لطالما ادعينا رسميا اننا نقف بمستوى واحد بين اطراف صراعها، لكن سرعان ما فضحتها جثث المقتولين الذي جرت لهم مراسيم تشييع رسمية، من دون ان نجد مفهوما لهذا التدخل، سوى تصريحات فضفاضة عن خيارات شعبية لا دخل للحكومة بها!!، ولا ندري لو كان هناك خيار آخر يتناقض مع هذا التيار، فهل سيكون الموقف الحكومي  نفسه ام لا؟.
الغريب ان السلطات لم تكترث لفعل الميليشيات ولطروحاتها، ولم تضعها في ملاحقاتها ضمن الخارجين على القانون أو الارهابيين، مع ان حالة التجييش والفعل العسكري خارج المؤسسة الرسمية يعد بالتأكيد عملا جنائيا ان لم يكن ارهابيا ويستحق فاعله القصاص.
وفيما نسمع من مسؤولين امنيين كبار كلاما مستفزا وعنيفا عن مدنيين يطالبون بحقوقهم المشروعة بطرق سلمية كفلها الدستور، تصل الى حد الابادة، لا تجد لهم، حتى همسا، عن هذه الميليشيات التي تستعرض وتجيش الجيوش، وكأنها في مواقع لا تخضع للمواجهة الكلامية، فضلا على المواجهة المسلحة، ما يعطي مؤشرات تقترب الى حالة اليقين ان من يحرك رياح الحرب الاهلية ليس بعيدا عن المؤسسة الرسمية أو بعض شخوصها، سواء بالاشتراك المباشر، أو بالسكوت عن اللاعبين في هذا المشروع الخطير.
الاكثر ايلاما، ان المؤسسة الرسمية لا تلتفت الى الجرائم التي توجه الى جهة او طرف، أو ربما يكون ضحية هذه الميليشيات، بل هو كذلك، فيما يكون لها موقف مغاير في مناطق واطراف اخرى، ونحن نؤكد ان الدماء واحدة، لكن التمييز يضع مؤشرات خطيرة عن وجود فعل مقصود للتأجيج على الطائفية.
العراقيون، قد اكتووا بنار الحرب الطائفية في 2006 واخواتها، ولا يرغبون في عودتها ثانية، وما يدبر في النهار قبل الليل يتطلب من العقلاء موقف سريع قبل ان تنجرف الامور الى ما لا يمكن تداركه، لا سمح الله، وعندما ستأكل الحرب مؤججيها قبل غيرهم.