"الاستحمار" القطري

 

صاحب "الوزارتين" سعدون الدليمي قطع مئات الكيلو مترات وعبر الحدود، ليستقر في قطر، ويتحدث هناك معلناً رفض حكومته القول إن قطر تتآمر على العراق.. قالها الدليمي إن "الحكومة العراقية تسعى إلى تقوية العلاقات على المستويين العسكري والأمني مع دولة قطر، وأوضح أن العراق لم يعد له خيار سوى الحوار".. فيما يقول المالكي وأركان ائتلاف دولة القانون في بغداد أشياء أخرى، لكن دعونا نصدق أن العراق لم يعد له خيار سوى الحوار مع قطر، فننسى أن أعلى مسؤول في البلاد أثار الشبهات والاتهامات حول دور قطر في التآمر على البلاد، وأنها تكرس الفتنة الطائفية كما أخبرنا السيد المالكي قبل أشهر قليلة في حوار عاصف أجرته معه قناة الميادين حين قال لمحاوره غسان بن جدو وبالحرف الواحد "إن" قطر والسعودية تتدخلان لإسقاط النظام في العراق، وإن - قطر - تصرف الأموال وتعقد اجتماعات وتحركات وتنفق ساعات من الوقت من أجل أن يُقال إن في العراق نظاماً طائفياً".
دعك من ذلك وانسَ أن علي الشلاه القيادي البارز في ائتلاف المالكي، أخبرنا قبل أيام قليلة من أن إئتلافه يتهم " دولة قطر بأن لها أصابع فتنه في العراق، وأننا نتهمها بالضلوع في التفجيرات التي ضربت بعض مناطق البلاد "!
وافترض معي أن السيدة حنان الفتلاوي أخذتها الحماسة وهي تنتقد زيارة أسامة النجيفي إلى قطر وتتهمه بالإساءة للسلطة التشريعية لأنه ذهب ليتباكى عند أسياده.. طبعاً فصل "الردح" السياسي لم يخلُ من تصريح للنائب محمد الصيهود الذي كشف لنا سراً" مخابراتياً " عن وجود مخطط تدعمه قطر يقضي بدعم ضباط هاربين من العراق لتنفيذ عمليات إرهابية بهدف إسقاط العملية السياسية برمتها".. ويدهشك في الموضوع ايضا حالة الفزع التي أثارها المقرَّب جداً من المالكي عزت الشابندر حين أعلن أن عــزة الدوري يلقي خطبه من قاعدة عسكرية في قطر.. حتى توهمنا معه أن هولاكو بُعِث من كتب التاريخ وارتدى "دشداشة" أمير قطر ليلتهم عاصمة السيد المالكي! 
وظل أصحاب فزاعة المؤآمرات الخارجية يمارسون معنا نوعاً من "الاستحمار" ذلك أنهم ظلوا حتى ليلة امس الاول يواصلون فتح "حنفيات" التخويف والتفزيع، وافتعال الحرائق، للتغطية على الفشل المتواصل فى إدارة حكم البلاد، أو تقديم مشاريع سياسية أو اقتصادية، أو التعامل بجدية مع مشكلات المجتمع والناس. 
لقد كان من الممكن تفهم هذا التغيـُّر المفاجىء في موضوع السيادة والكرامة من قبل كتائب مقاومة الغزو القطري، لو أننا رأينا تغيـُّراً في موقف الشقيقة "الكبرى" قطر من أوضاع العراق الداخلية.. لكنه الضمير السياسي عندما يُصاب بالعمى، فيرى فى قطر خطراً داهماً على العراق إذا استقبلت النجيفي، وهو " العمى " ذاته الذى يجعلهم يرون فيها اليوم شيئاً جميلا ورائعاً لأنها استقبلت وزيرنا "المدلل" سعدون الدليمي بالأحضان.
هذا التغيـُّر في اللسان يتصور دهاقنة دولة القانون أنه عادي، أو من قبيل أن السياسة كذب، لكنه الآن يدخل مرحلة الخطر حين تصبح اللعبة أكبر من تجييش جمهور ضد عدد من الدول، أو تنويم هذا الجمهور نفسه مغناطيسيًّا بشعارات لا تشير إلى معنى سياسي مثل "تقوية العلاقات الأخوية مع قطر" وهي لعبة تقود البلاد إلى ما يشبه الخراب من خلال استخدام سلاح الكذب والخديعة، فى سبيل خطف الدولة بأكملها.
بالأمس فقط اكتشفنا مع سعدون الدليمي أن قطر أقرب إلينا من حبل الوريد، فبعد ان زف لنا البشرى من ان لقاءاته مع القادة القطريين كانت ممتازة جدا، وهو التصريح الذي يكشف أن شيئاً ما يُحاك ضد هذا الشعب المسكين، الذي أُبتلي بسياسيين لديهم قدرة هائلة على التلون، وأبصارهم معلقة دائما بكرسي المنافع، ومن أجل أن أُنشـِّط ذاكرة السيد الدليمي أذكره بانه صاحب قصة تآمر قطر على إفشال القمة العربية في العراق وأنها أي – قطر – تصنع الدمار لدول المنطقة.. الغريب أن مزايدة المقربين ما زالت مستمرة لإثبات أن المالكي قائد في معركة التحرير ضد القطريين، برغم أنه لم يتحرك أبعد من خطوة السيطرة على كل مفاصل الدولة، وترسيخ فكرة الحاكم القوي الذي أجبر جميع خصومه على التقهقر.
المذهل أكثر أن سعدون الدليمي يُريد أن يُقيم اليوم حفلة يُعلن من خلالها ان الرعاية القطرية الجديدة للحكومة العراقية ستُنهي مشاكلنا وستغلق ملف الفتنة الطائفية وستوفر الخدمات وتقضي على البطالة، وإنه يبشرنا بأننا سنعيش مع حكومة المالكي في حقبة قطرية جديدة ومتطورة.
ودعونا نسأل: هل ستظل دول الجوار ومعها "قطر" سيدة مصائرنا، ولها وكلاء على كراسي الحكم؟ سؤال قاسٍ، لكنه يجب أن يُطرح الآن، في ظل حكاية السفرات الخاصة 
وعودة إدارة مسرح الأحداث من خلف الستارة، وكأننا أمام نظام يبحث عن حليف يعيش تحت جناحه أو رعايته ليحصل منه على توكيل لإدارة البلاد مدى العمر.