كثيرة جدا هي شكاوى المواطنين التي نتعرف عليها يوميا من خلال لقاء عابر معهم أو تجمع عفوي بالصدفة او حتى مظاهرة منظمة، وواقعية جدا هي المطالب التي يطالب بها ابناء الشعب مهما تعددت وتنوعت مطالبهم لأنها ببساطة شديدة تعبر عن طموحاتهم وحاجاتهم الاساسية والانسانية، بلا ترف ولا تبطر، وحتى ما نسمعه هنا أو هناك من عبارات متسرعة ومتعجلة من شخص منفعل او من قد لاحت في جبينه علامات الغضب وانفلات الاعصاب من مواقعها الاستراتيجية فأنها تحمل في طياتها بعضا من الحرمان، وشيئا من الواقعية، والكثير من التهم والانتقادات غير الواقعية واللامستندة على أرضية صلبة من الادلة والحقائق، رغم ان ما نعيشه هو حقائق ووقائع بغض النظر عن الارقام والمستندات الثبوتية !. المواطن، وهو يتهم أعضاء مجلس النواب والوزراء وحتى رئيسي الجمهورية والوزراء، فهو يعبر عن رغباته بتحقيق نتائج ايجابية كان ينتظرها من ممثليه في البرلمان والحكومة، فهو يبث أفكاره وتساؤلاته عن واجب البرلمانيين تجاه بلدهم ومدنهم والمسؤولية الوطنية والأخلاقية الملقاة على عاتقهم، وعلى الرغم من ان الحديث عن (دور البرلمانيين) ليس اختراعا جديدا في فن المقالات الصحفية والمواضيع السياسية لكثرة ما قيل وُأثير بشأن هذا الموضوع، إلا انني أود ان أتناول احدى الجوانب التي يثيرها المواطن دائما، وهي (لو انني أصبحت برلمانيا)، أي انني المواطن الذي أوجه النقد البنّاء والنقد الهدّام والنقد الشخصي وكل أنواع النقد اللوجستي والسياسيكولوجي، عندما أصبح عضوا في البرلمان وتحت قبته وأعطي التصريحات و(آكلها وأشربها) أمام شاشات التلفزة والفضائيات والصور البيضاء والسوداء وذات الألوان الوردية والغامقة، وتتقافز أمام عيني أسئلة الصحفيين والاعلاميين قبل ميكروفوناتهم، ونظرات الإعجاب او الحسد قبل تلميحاتهم، وحين تمتلئ جيوبي وأكياسي بالملايين الأربعين شهريا (لا أعلم كم هي فعلا) من الميزانية التي لا ترى التصويت إلا بعد ان يشيب رأس المواطن المنتظر لها ويعلن عن يأسه وقنوطه، وما يرافق كل تلك الأبهة و(الإتيكيت) من بذلات رسمية ومواكب الحرس الشخصي ورجال الـ (بودي كارد) وأجهزة الاتصالات التي لا تمنعهم من الكلام بسبب نفاد الرصيد المستخدم، والعديد من مميزات وخصائص (المنصب البرلماني)، بعد كل هذا هل سأصبح مثلهم؟!. بالتأكيد، لست أدافع عن السادة النواب (أعلى الله تعالى مقامهم المحمود وشأنهم المبارك)، ولن ادفع عن سموّهم تهم المواطنين لهم بالسرقة والاهمال وتحقيق المصالح الشخصية والضحك على الذقون وغيرها، بل ربما قد أصبح بحالٍ أسوأ من حالهم، وأنسى حتى نفسي!، ولا أريد ان أنفي جوابي لأبعد عني الصفة التي أتهم بها بدلائي البرلمانيين، ولا أنزه نفسي، لكن لماذا نقّدر وقوع الأخطاء قبل وقوعها؟ ولماذا نحسب أنفسنا ضمن فئة المهملين والمقصرين، أي لماذا لا نضع أنفسنا ضمن قافلة البرلمانيين الذين أدوا واجباتهم وأتموا مسؤولياتهم على أكمل وجه وأفضل صورة؟ هل السبب هو عدم قدرتي ان اكون نائبا صالحا أم لثقتي بعدم وجوده في الأصل؟. بالتأكيد ان موجات النقد والتساؤل لم تصب جميع البرلمانيين، ولا بللت أقدامهم الواقفة على تلٍ عالٍ من أخلاقيات التصدي للموقع باعتباره تكليفا وليس تشريفا، ولا يمكن لأي ذرة من الغبار ان تلوث ضمائرهم وثيابهم البيضاء!، لكن الحقيقة التي لن انكرها أبدا هي انني لن أجزم بأن أكون نائبا نزيها صالحا يشار له بالبنان، بل أنا على يقين ان الموج سيجرف احلامي معه، وسيأخذني بعيدا عن أبناء شعبي، ربما بسبب توارث ثقافة (الملك عقيم) بين أفراد مجلس النواب، أو ربما لأنني سأميل بقناعتي عن الرأي القائل بأن المنصب هو لخدمة المواطنين، وأحيلها صوب فكرة ان المنصب هو مكافأة وجائزة يحصدها من كان جسورا !. |