الأخطاء الأميركية في العراق كثيرة وكبيرة، لكنني بتّ اليوم على يقين بأن الخطأ الاكبر الذي ارتكبته واشنطن هو تسويقها الديمقراطية، في بلد خارج من عقود من نظام لا ترقى اليه أكثر الديكتاتوريات بشاعة وقسوة وقمعا. صرنا كمن اخرج من غرفة مظلمة يقبع فيها لسنوات، الى فضاء مفتوح مليء بالشمس، فانعدمت عندنا الرؤية ورحنا نصطدم ببعضنا , فقدنا البوصلة، ورحنا نتعامل مع المفاهيم الجديدة (الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان) بوعي مبتور فطبقناها مقلوبة مشوهة لا علاقة لها بمضامينها الحقيقية. حتى الديمقراطية التي أهدانا إياها الاميركان جاءت مشوهة من الاساس. قالوا انها "ديمقراطية توافقية " مع ان كتب السياسة لا تضم شيئا من هذا. فيها نظام ديمقراطي ونظام توافقي، وبين الاثنين فرق كبير. الاول يعني حكم الاكثرية مع الحفاظ على حقوق الاقلية، والثاني يعني توافق الاطراف المكونة للبلاد على كل شيء. أي لا قرار إلا بموافقة الجميع وهنا تكمن العقبة الكبرى، فخلال عشر سنوات لم نستطع ان نتفق على شيء، بسبب تباعد المشاريع وتناقضها، وعمق الهوة وغياب الثقة، فضلا عن الدخول الإقليمي على الخط الداخلي حتى بات هو صاحب القرار، فالساحة الإقليمية تعيش حالة استقطاب شديد، انعكس على ساحتنا الداخلية فبتنا نعيش أزمة مستمرة، ما دامت الازمة في الإقليم قائمة. وحتى لو كانت ديمقراطيتنا حقيقية، فانها لم تكن لتناسب بلدا خارجا من دكتاتورية صدام، الذي خلق انقسامات بقيت نارا تحت رماد ديكتاتوريته حتى اذا زال طفحت الى السطح بقوة. أخطأنا يوم استعجلنا الدستور فصغناه أعرج، أغلب مواده حمّال أوجه، وتعديله يقرب من المستحيل. أخطانا حينما تصورنا ان الديمقراطية مجرد انتخابات ودستور ونسينا انها ثقافة يحتاج ترسّخها في نفوسنا زمنا. البلدان الخارجة من عهود ديكتاتورية، تحتاج الى جهود مضاعفة واختصار للوقت والاجراءات، وهو ما لا تؤّمنه الديمقراطية المعروفة ببطء إجراءاتها. المراحل الانتقالية تحتاج الى حكم خاص، لا تجاذب فيه ولا اعاقات، بل حكم يملك رؤية واضحة لسبل النهوض، يوفر مستلزماته بإجرءات سريعة، فإذا ما تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني، يبدأ الانتقال التدريجي الى الديمقراطية التي ستكون راسخة تدوم، وتديم مسيرة الاعمار والتنمية. عام 2003 كنا نحتاج الى ديكتاتورية عادلة (عسكرية أو مدنية) صاحبة رؤية في البناء، لكن واشنطن أهدتنا ديمقراطية مشّوهة ومع ذلك أمسكناها من قفاها، وبقينا نعيش حتى اليوم، الاضطراب الامني والسياسي، وبالنتيجة... الاضطراب الاقتصادي والتنموي ايضا.
|