الإيثار قيمة قديمة |
تحدثت ذات يوم مع مربٍ قديم , وقال لي لِمَ لا تكتبين يا سيدتي عن الإيثار , قلت له : وما الإيثار ؟ قال : كان فيما مضى إذا أعطى أحد الأطفال نصف رغيفه لزميله الفقير يُسمي هذا الطفل بالكريم أو المُحسن , أما إذا أعطى رغيفه كله لزميله وفضله على نفسه فهذا هو ما يُسمى بالإيثار , فضحكت وقلت ولما أكتب عن شيء لم يعد موجوداً , قال : كيف لم يعد موجوداً , قلت : نعم لم يعد . ولو كان ما تدعو إليه موجوداً لما تنافس المتنافسون على مواقع العمل والمراكز الإجتماعية , ولما تنافست الشركات على الصفقات والعقود , ولما تقاتلت الجيوش لأجل المزيد من الأراضي والثروات , ثم قلت لا تيأس هذا هو الجانب الأسود للمنافسة , لكن هناك الوجه الآخر وهو ما يُدعى الآن بالمنافسة الشريفة , فيها يتنافس العلماء لإختراع أحدث الإبتكارات الدوائية والعلاجية وفيها تتنافس الدول لإكتشاف الفضاء وفيها يبدع المبدعون طمعاً في وضع بصماتهم الأدبية والفنية على صفحات التأريخ . أوقفني وقال حزيناً لو كان ما تقولينه صحيحاً سيدتي فَلِم يتقاتل العرب والمسلمون كلُ يريد الكرسي حتى لو كان على جثث الملايين وهو ليس لأحد , ولِمَ يُعتبر العربي والمسلم مجاهداً وهو يطلق صرخة ( الله أكبر ) أثناء قتله لعشرات النساء والأطفال الأبرياء , ولِمَ يُطلق الرصاص على الأفواه التي تقول الحق , ولِمَ يدعي البعض الديمقراطية فيطلق الأيدي ( لتبصم ) ويكبل الأرجل لكي لا تتقدم خطوة واحدة , ثم قال : هل لديكِ جواب ! قلت ليس لدي حتماً , قال : إذاً من لديه , قلت : لن يجيبك على هذا السؤال العرب والمسلمون الأسوياء والشرفاء , بل سيجيبك وستعجب للجواب , المرضى وغير الأسوياء منهم , فلديهم القدرة الأسرع على الحركة والقدرة الأسرع على الكلام ولا فرق إن أعجب الجميع أو لا , إذاً سيدي المربي لا وجود لهذه القيمة الحضارية فقد أصبحت غير حضارية , فلا يوجد بيننا من يُعطي رغيفه للآخر وإذا أعطاه فسيطلب من مئات الكامرات أن تتجه نحوه . |