في الثمانينات ، حاول بعض طلبة الجامعات تاجيل موتهم في ساحة الحرب العراقية –الايرانية فعمدوا الى تاجيل عام دراسي والرسوب في عامين وبعضهم مط سنوات الكلية الاربع لتصبح ثمانية وكل ذلك للهروب من الموت ..احدهم كان شقيقي الاكبر رحمه الله والذي اكمل دراسته الجامعية على مدى سبع سنوات على امل ان تنتهي الحرب لكنها لم تنته وظلت الخدمة العسكرية الاجبارية بالمرصاد لاغتيال احلام الشباب ومنهم حلم شقيقي بان يصبح رساما وهو ابعد الاحلام عن قدر البدلة العسكرية والبندقية والدم .. عند انتهاء الحرب ، فاقت بهجة الناس الحدود المعقولة ومااذهلنا بعدها ان احدا لم يسأل من الذي انتصر ..الحرب اذن لاتحقق للجندي العادي مجدا شخصيا ولاتجعل منه اكثر من رقم في لائحة القتلى او الاسرى او المفقودين اما بالنسبة لاسرته فقد يكون "معيلها " او "زين شبابها " او عريس جديد فيها او ولد وحيد لامراة قصدت كل المراقد والاولياء لتنجب طفلا ، وقد يكون مهندسا بارعا او فنانا او مشروع عالم او اديب ...الحرب تطحن برحاها مختلف الملامح والامتيازات وتدوس بعجلاتها مختلف الاعمار والشهادات وتحرق بنيرانها آلاف الاحلام والامنيات لكنها حين تنتهي فجاة ، يشعر الجنود وكانهم ولدوا من جديد فينفض البعض عنهم كل آلام الحرب ويلقونها خلف ظهورهم ليواصلوا حياتهم بينما يظل البعض الآخريجتر ذكريات حزينة تضاعف من نقمته على كل انواع الحروب في العالم ..وفي كل الاحوال ، لايهم اغلب الجنود ان كانت حربهم انتهت بنصر او هزيمة فالمهم انها انتهت ... الحرب اذن كانت قدر العراقيين وحين تعلقوا باهداب آمال جديدة لسياسيين خدعوهم باسم الديمقراطية وحرية السلوك والرأي تناسوا شبح الحرب وبرنامج (كي لاننسى ) الذي كان يصر على تذكيرهم بقدرهم ..لكنهم فقدوا الكثير من احبتهم تحت عجلات الآمال الوردية ولم يعد موتى سنواتنا الاخيرة ضحايا حرب قدرية بل اسرى بديهيات حفظها العراقيون عن ظهر قلب فاذا سقط قتلى في سوق شعبية ومقهى وشارع شيعي فلابد ان يزور الموت الاحياء السنية في اليوم التالي ، واذا حصل انفجار كبير راح ضحيته العديد من الابرياء فلابد ان يتضاعف الازدحام في اليوم التالي لتفتيش المركبات لاحترازات امنية –بعد فوات الاوان -، اما اذا كان بامكان الناس انقاذ احبتهم في احد الانفجارات فلن تسمح لهم القوات الامنية بالاقتراب لأن انفجارا آخر قد يستهدف تجمعهم .. واذا كانت الانفجارات تلي كل تصريحات ساخنة لأحد المتشدقين من الساسة او خلاف بين فئتين سياسيتين فان انتشار لافتات الشهداء المغدورين مؤخرا في مختلف انحاء بغداد ومن ابناء الطائفتين يشي بمحاولة خلق فتنة طائفية جديدة ...مثل هذه المحاولات لم تعد تنطلي على العراقيين فهم يدركون قذارة لعبة السياسة ومن يقف خلفها من المنتفعين من الجهتين لكنهم يحلمون بيوم لاموت فيه بفعل فاعل وبشوارع تخلو من الخطر ولايريدون ان يعترفوا يوما بان من (يرى الموت يرضى بالصخونة ) كما يقول المثل العراقي وان الموت في الحرب ارحم من الموت المتربص للناس في كل مكان فالاول يخص الذكور فقط ويمكن تجنبه بالهروب من الخدمة العسكرية او اطالة فترة الدراسة بالنسبة للطلبة كما ان الحرب تنتهي مهما طالت ويلقي الجنود باسلحتهم لكن الموت الحالي يتربص بالجميع في كل مكان ليلبي فقط هدفا سياسيا او رغبة ارهابية ..تبقى البديهية الوحيدة التي لابد للعراقيين ان يؤمنوا بها هي ان قدرهم ان يكونوا حطبا لسياسات متهورة ودكتاتورية وان يموتواعلى الاغلب بفعل فاعل .. |