قبل حوالي خمس سنوات على ما اتذكر، لفت انتباهي خبر عن كوردستان نشر ضمن نشرة اخبارية باللغة الانكليزية لاحدى وكالات الانباء العالمية المعروفة التي كنت احترمها جدا وكنت اعتبرها مصدرا معلوماتيا ذات مهنية وضوابط اخلاقية عالية في الموضوعية والحياد في التعامل مع الاحداث العالمية ومنها الاحداث الكوردية، ولكن بالصدفة حدث ان قرأت نص الخبر باللغة العربية وقد بثته الوكالة نفسها ، فرأيت ان الخبر نفسه قد تمت صياغته بطريقة مختلفة عن صيغتها الانكليزية وتفوح منه الرائحة النتنة لتدخل شوفيني مشين من قبل المحرر الذي "ترجم" او صاغ الخبر حسب رواه باللغة العربية..
استغربت الامر اول الامر ، اذ كيف يمكن لوكالة تحترم نفسها وتاريخها ان تبث خبرا بصيغتين مختلفتين ، لكن بعد فترة زال استغرابي هذا ، اذ تبين ان لكل تصرف مثل هذا "ثمنه !" عندما يتعلق الامر بالشعب الكوردي واحداث كوردستان ، وأصبحت على بينة بأن ما زالت هناك وكالات انباء تاخذ اخبار كوردستان بكثير من عدم الموضوعية وتتلاعب بها حسب مصالح لا علاقة لها بشرف المهنة الصحفية.
وواضح ان الشعب الكوردي وقضيته القومية التحررية يواجهان منذ امد بعيد الكثير من الظلم والاضاليل التي جندت لها الانظمة التي تحكم اجزاء كوردستان ، والى جانب الحروب الدموية التي خاضتها تلك الانظمة ضد الشعب الكوردي ، والتي خلفت اثارا مدمرة لن تمحى من الذاكرة الكوردية ، فانها شنت هجمات من نوع اخر وهو تكريس طاقاتها في مجالات النشر والتوجيه والاشاعة والاعلام في الداخل والخارج لتشويه سمعة الشعب الكوردي وحركته القومية التحررية تماما ، بل ومحاولة الذهاب الى ابعد من هذا وهو محاولة نفي وجوده اساسا عبر الكتب والمقالات السامة النابعة من الاتجاهات الشوفينية والفاشية في التعامل مع الوجود التاريخي والحضاري الكوردي ، واخر هذه المحاولات ما قام به احد الادعياء الحاقدين قبل ايام حينما انكر ، وبكل بساطة ، وجود "شيء" اسمه التاريخ الكوردي ، وادعى بكل عنجهية ان الكورد يسرقون تاريخ غيرهم "هكذا!!" ، هذا الفعل الذي يجري بصورة معكوسة تماما ومنذ امد طويل ، وقد جندت له مؤسسات اعلامية واموال طائلة ويعمل فيها العديد من الكتاب غير الكورد ذوي النزعات الفاشية...
لكن مع ذلك ، ومع وجود مد مستمر في معاداة الشعب الكوردي وقضيته التحررية في الصحافة والاعلام الناطق بالعربية والتركية والفارسية ، الا ان الصورة الان لم تعد بهذه القتامة ، اذ ظهرت مؤسسات ومواقع اعلامية حرة ناطقة بتلك اللغات ، تتميز بالكثير من الحيادية والموضوعية في الطرح ، طبعا لا اقصد بعض وسائل الاعلام المنافقة التي تتحرك على اساس "المنافع" المعروفة ويتغير "لسانها" حسب "الفصول!! ولاغراض لا علاقة لها بالصدق والموضوعية ، وان هذا التغيير الايجابي لم يتم بصورة عفوية ، بل ان صدق الخطاب الكوردي ومرونته ، وطبيعة السياسات الكوردية العقلانية ، وما تشهده كوردستان من تقدم وازدهار اقتصاديين وعمران لافت واستقرار امني راسخ كل هذه الاسباب ساهمت في احداث تغييرات ايجابية مهمة في قناعات ومواقف العديد من اصحاب الرأي ، وتوجهات العديد من وسائل الاعلام العربية وغير العربية ، واعتقد ان هناك مجالا واسعا لاحداث المزيد من التغييرات باتجاه الفهم الصحيح للقضية الكوردية عموما وللموقف الكوردستاني .
ان كنس و تحطيم القناعات غير العادلة التي وضعتها النخب الشوفينية في عقول الشعوب التي عاشت مع الشعب الكوردي عبر مؤلفات مسمومة وعبر القنوات الاعلامية والثقافية امر مطلوب ، وضروري ، وهذه العملية لن تتم بوسائل بدائية او بخطوات ارتجالية ، بل تحتاج الى كثير من العمل المدروس والمخطط له .
أن اعداء الحقيقة الكوردية ما زالوا يعتمدون اساطيل من اجهزة الكذب والدجل وما زال الخداع والتضليل والتزوير هو ديدنهم ووسيلتهم المفضلة ، واعرف ان الكلام عن توحيد الخطاب الاعلامي الكوردي الناطق بكل اللغات امر صعب جدا في مواجهة كل تلك الاساطيل ، وأن السيطرة على منافذ الاعلام كلها امر غير منطقي في هذا الزمن ، ولكن المفروض ان يبقى الوفاء لشعب كوردستان والدفاع عن مستقبله القاسم المشترك لكل المؤسسات الاعلامية الكوردستانية الرسمية منها والحزبية والعامة ، و لا بد للمؤسسات الرسمية الكوردستانية على الاقل أن تعمل على تطوير وسائل مواجهاتها للاعلام المناوئ غير الكوردي كما ونوعا لايصال الحقائق الى الاخرين ، وان تكون هناك الية قومية متمرسة تحكم وتساعد وترعى هذه التوجهات .
|