للأشياء أدوات قياس .. تفرض نفسها لتقيّم الحالات التي نعيشها .. ونحن نتحدث عن العراق فنقيس على بلد بعيد علينا نشترك معه بنعمة الإسلام .. وهو ماليزيا .. الواقعة في جنوب شرق آسيا والحاصلة على الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1957 .. هذه الدولة شهدت قفزة اقتصادية صناعية هائلة بنهايات القرن الماضي , والفضل يعود إلى الطبيب مهاتير محمد , الذي كان يعالج أبناء بلاده فأصبح طبيبا لبلاده ومشاكلها التي شخصها وعالجها في كتاب ألفه عام 1970 تحت مسمى (معضلة الملايو) , دعا فيه إلى ثورة صناعية للخروج من حلقة الدولة الزراعية المتخلفة ... هذا الرجل فاز بانتخابات بلاده عام 1983 ليصبح رئيسا للوزراء , مما أتاح له تحويل أفكاره إلى واقع جاعلاً ماليزيا من أنجح الاقتصاديات في آسيا .. حيث انخفضت نسبة السكان تحت الفقر من 52% إلى 5 % عام 2002 .. وأرتفع متوسط دخل المواطن الماليزي السنوي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002 .. وضع خطته في بناء ماليزيا اعتمادا على الاهتمام بالتعليم والصناعة والجانب الاجتماعي , هذه الثلاثة شكلت دعماً كبيراً في الميزانية السنوية إضافة إلى الدعم الحكومي لها .. وجعل التعليم إلزاميوانشأ العديد من معاهد التعليم المهني التي ترفد قطاع الصناعة الواعد بالكفاءات العملية والعلمية .. أرسل آلاف البعثات العلمية إلى أحسن الجامعات العالمية .. كما واكب الاهتمام بالتعليم , نمو كبير في صناعات الاسمنت والسيارات والنسيج والالكترونيات .. حيث استوعبت 40 % من الأيدي العاملة .. أتت الثمار في التسعينات فأصبحت ماليزيا من نمور آسيا الصناعية ودولة منتجة مصنعة , المواطن فيها لديه فرصة عمل كريمة وقوة عٌملة تعينه على حياته .. هذا هو مهاتير محمد بإيجاز .. سيرة رجل يستحق الذكر.. له مقولة ( إذا كنا جميعاً رجال دين فمن سيقوم بتصنيع الطائرات والسيارات) .... لقد بدأ باختيار القدوة وأضاف لعمله حسن الإدارة .. كانت اليابان بالنسبة لماليزيا خير من يحتذى به للنهوض .. أما الإدارة الناجحة للدولة فامتاز بها مهاتير محمد .
لا نكتب بشان المالكي ما يكتب الخصوم .. بل نحاول ان نكون لجانبه لعله يحصل على بعض تزكية من شعب عاش أثناء حكمه ويلات القتل والإجرام بشتى صوره وتعدد مصادره الحكومية والقاعدية والعصائبية والخزعلية وغيرها مما أجاد به الشيطان من نقمة الموبقات وأنواعها ...
حصل المالكي على منصبه وسط تمسك سلفه الجعفري فانتزعت من الأخير انتزاعا بعد أوامر من طهران .. أخذ السلطة وسط طائفية أحرقت البلاد فعالج الأمور بقوة حتى تسنى له إنهاء المجاميع الميليشاوية المسلحة لجيش المهدي والتي أعلن قائده بعدها بحل هذا الجيش الذي لا يذكر إلا وكانت جرائم القتل ترافق ذكراه .. كما ساند الجيش مجاميع الأهالي للتخلص من مجاميع القاعدة في الانبار ونجح الأهالي والجيش في استقرار البلد كل في منطقته.. حتى وصل الأمر إلى انتظار ما تجود به قريحة رئيس الوزراء من عودة للعطاء الحضاري للعراق بعد أن انكفأ من ويلات القتال والتشرذم .. لكن الذي جرى أصبح المالكي بدل أن يكون الباني للعراق أصبح مخترعَ المشاكلِ والخصومِ , ليعمل منها مباراة من اجل الانتصار ليس إلا .. والنتيجة دمار مستمر للبلد .. مع التمسك الدائم في السلطة ماسكاً بمسؤوليات العسكر والمال والقضاء والأمن تاركاً من حوله , يمسكون بمقاولات البناء الوهمية الشكلية لاستنزاف الثروات العراقية الطائلة , ونقلها إلى خارج البلد .. وبرعاية كريمة من أصحاب السيادة .. أصبح من يملك السلطة يتحول شيئاً فشيئاً إلى توحدية السلطة وانفرادية القرار وتأويل القرارات حسب ما يريد وما يستسيغ من ظروف لترتيب وضعه الدائم في الكرسي من أجل الاستمرار في لذة سادية الحكم الذي لم يحلم به طيلة حياته .. وهكذا كانت الدولة العراقية أو ما تبقى منها وسط فوضى الكتل السياسية فكان تشكيل واداء الحكومتين المتتاليتين برئاسة نوري المالكي أسوء الأحداث في تاريخ العراق المعاصر لسوء الأداء مطرزاً بفسادٍ قلَ نظيره في دول العالم .. فسادٌ دون محاسبة تذكر , فالكلُ ساكتٌ لما يعملُ الفسدة من موبقات (أسكت لك وتسكت لي .. ) مما حوّلَ العراق إلى بلد ضعيف الإرادة والمقدرات , إضافة إلى تشرذمه , مع تمسك الفاسدون بمواقعهم في السلطة .. فكان رأس هذه السلطة , يعمل بطريقة الغاية تبرر الوسيلة , من أجل الالتصاق بالكرسي اللذيذ كرئيس لوزراء لا يعملون شيئاً للبلد , سوى قبض الرواتب الكبيرة , وفوائد المقاولات الضائعة بأرقام الميزانية الخرافية للعراق , بالمشاركة مع أعضاء برلمان للأسف اُنتخبوا من قبل الشعب المغلوب على أمره , شعب مسكين لا يعمل سوى المسير خلف (امشي وراء العالم واطلع منها سالم ) الشعار الأفيوني للعقل العراقي المحنط .
وهكذا يبقى العراق بين الموت الذي يحوم فوقنا ..وعلاسة الحكومة .. والالتصاق بالكرسي العنيد .. وسرقات أبناء الحكومة .. ليس لنا إلا الله هو مولانا ونعم الوكيل .