مئة عام من دفاعنا عن الحرية .. مجرد وهم
نشرت صحيفة واشنطن تايمز الاميركية مقالا لتوماس مولن صاحب كتاب [عودة الحس السليم- صحوة الحرية عند سكان اميركا] قال فيه:  دعا دبلوماسي عراقي بقية الدول العربية الاخرى المنتجة للنفط  لاستخدام النفط سلاحا ضد الولايات المتحدة. ويضيف ان شبكة فوكس نيوز أوردت النبأ وكأنه  يشكل مفاجأة.
وتعلق فوكس على الخبر» البيان مثل صدمة من حكومة ديمقراطية وصلت للسلطة بعد إن قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالاطاحة بالديكتاتور الدموي صدام حسين في حرب مكلفة ماليا وبشريا وهو ما كشف الولاء الحقيقي لهذه الدولة الشرق أوسطية».
ويقول الكاتب» إن الابتعاد عن الواقع الذي أظهرته وكالات الأنباء مثل فوكس والأمريكاس هو مذهل. والأمريكيون يعتقدون فعلا ان العراقيين يجب ان يكونوا ممتنين لأن الولايات المتحدة غزت بلادهم، ودمرت بنيتها التحتية وقتلت مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء وشردت الملايين سواهم. وهم يعتقدون أيضا أنه وبعد عزل الدكتاتور( الذي يميل) للغرب نسبيا ووضع الأغلبية الشيعية في السلطة نتيجة لذلك، فان الحكومة لن تسعى للرد على دعم الولايات المتحدة لاسرائيل».
لكن هذا التصريح على اية حال ليس حادثا معزولا. وهو موضوع متكرر. وخلافا للأسطورة الرسمية، فإن السياسة الخارجية الأمريكية كانت فاشلة طوال السنوات المئة  الماضية، دون استثناء تقريبا. 
ويُقال لنا باستمرار أن الولايات المتحدة لديها «دور خاص» في العالم، بسبب كونها القوة الوحيدة العظمى. اما الدور الذي لعبته طوال القرن الماضي في «الدفاع عن الحرية.» مجرد وهم خالص. 
وهناك نسبة صغيرة من الأميركيين يدركون بغموض إن أسامة بن لادن لم يخلق تنظيم القاعدة، بل إنه بدأ في باكستان على يد الشيخ عبد الله عزام بدعم من وكالة الاستخبارات الاميركية. ووفقا للمراسل المخضرم اريك مارغوليس الذي كتب «أنا أعرف هذا لأنني قابلت عزام مرات عديدة في المقر الرئيسي لتنظيم القاعدة في بيشاور أثناء تغطيتي للجهاد ضد السوفييت في أفغانستان. وقد أسس عزام تنظيم القاعدة، لمساعدة السي آي ايه والسعودية في تمويل المتطوعين العرب  للقتال في أفغانستان التي احتلها السوفيت. في تلك الأيام، كان الغرب يشيد بهم بوصفهم «المقاتلين من أجل الحرية». 
وهذا ليس شيئا جديدا. فقد ظلت الحكومة الأميركية تخلق الوحوش من خلال التدخلات العسكرية والاستخبارية ومن ثم تهدر الدم والمال في محاربتهم منذ أن تخلت لأول مرة عن سياسته الخارجية بعدم التدخل في مطلع القرن العشرين. 
ومعظم الأميركيين لا يدركون أن كلا من اليابان الامبراطورية وألمانيا النازية كانتا إلى حد كبير نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية السابقة. وكما يقول وليام غريغ ، 
«كان لليابان دور في رؤية تيدي روزفلت لمنطقة المحيط الهادئ. وطالما تحافظ اليابان على إبقاء روسيا تحت المراقبة ، وقامت بواجبها بالتدخل في الصين لتكون من زبائن الشركات الاميركية، ولم تقم بتصرف  في الفلبين المستعمرة الاميركية فيمكنها حينها أن تدعي السيادة على كوريا ومنشوريا وفقا لأحكام « عقيدة مونرو في آسيا»على حد قول روزفلت للبارون كينتارو كانيكو، مبعوث طوكيو للولايات المتحدة في حديث خاص». 
ومن المفارقات أن عذر الرئيس فرانكلين روزفليت للصراع ومناكفة اليابان في الحرب كان  محاولة غزو اليابان للصين. وكانت اليابان تسعى بالطبع لتكون مجرد عضو في أسرة فرانكلين . أن اليابان كانت إمبراطورية تتوسع اساسا نتيجة دعم حكومة الولايات المتحدة وتشجيعها. 
وكان لتدخل الولايات المتحدة في المانيا نتائج عكسية مماثلة. فهل اوفى وودرو ويلسون بقسمه للناخبين الذين اعادوا انتخابه لأنه «ابقانا بعيدين عن الحرب (الحرب العالمية الأولى)» التي ظلت صراعا مسدودا. وما كانت ألمانيا لتوقع أبدا على معاهدة فرساي، وبالتالي ما كانت لتشهد صعوبات اقتصادية أدت إلى وصول هتلر إلى السلطة. 
وقد أنتج التدخل لوقف انتشار الشيوعية نتائج مماثلة. والأمم الشيوعية  التي بقيت حقا هي كوريا الشمالية وكوبا، وظلت حكوماتها في السلطة بسبب العداء الذي سيرته الولايات المتحدة ضد حكوماتها القمعية. وقد بدأت فييتنام الإصلاحات نحو اقتصاد السوق بعد اثني عشر عاما على طردها الغزاة الأمريكيين فقط. 
وقررت الولايات المتحدة سلوك نهج الدبلوماسية مع الصين. التي انتقلت أيضا نحو اقتصاد السوق من تلقاء نفسها. 
والتنين القادم الذي وقف في الصف للذبح هو إيران. ويفترض ان حكومتها غير عقلانية بحيث تنتج سلاحا نوويا سيؤدي إلى كارثة. وقد نسي الجميع كيف وصلت الحكومة إلى السلطة. 
في عام 1953، أطاحت وكالة المخابرات المركزية ومخابرات أم 15البريطانية بمحمد مصدق رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا، واساسا لتاميمه صناعة النفط الإيرانية. وهذا ماثبت  الشاه محمد رضا بهلوي الاميركي- البريطاني في السلطة. كان الشاه مكروها من قبل الشعب الإيراني بسبب صورته باعتباره دمية الغرب وقمعه الوحشي للمعارضة. 
وفي عام 1979، انهت الثورة في إيران 2،500 سنة متواصلة من الحكم الملكي وأدت إلى إنشاء جمهورية إسلامية. وهكذا، جاء «المتطرفون» الذين يحكمون إيران في الوقت الحاضر إلى السلطة كنتيجة مباشرة لتدخل الولايات المتحدة. 
ويعتبر أنصار التدخل هذه الاقوال «إلقاء اللوم على أميركا أولا». وأنا اعتبرها السبب والنتيجة إنها المنطق ومواجهة الواقع. 
ولأكثر من 100 سنة، واصل رؤساء الولايات المتحدة سياسة جورج واشنطن الخارجية بعدم التدخل. وفي خطاباتهم التدشينية كانوا يستشهدون باستمرار بأن هذا هو السبب وراء الحرية والازدهار في أميركا. 
ومنذ التخلي عن سياسة عدم التدخل في عهد التقدم، تعرضتْ السياسة الخارجية الأمريكية للفشل واحدا تلو الآخر. وهكذا اصبح الاميركان أكثر فقرا ومكروهين في جميع أنحاء العالم وأقل حرية في الوطن. وحان الوقت لنعود إلى ما عملوا. ولا يسعنا الوقوع في الخطأ المقبل.