١- تيار يدعو الى الفيدرالية ويدافع عن حقه الدستوري في إنشاء الإقليم ، وبالرغم من أن هذه المطالب هي مطالب دستورية يقف معها الدستور بكل ثقله ، بل يدعو ويؤسس لها ، إلّا أننا نتفاجئ أن أغلب أبناء هذا التيار هم من الرافضين للدستور ، بل أن بعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك واصفاً هذا الدستور بأنه دستور بريمر الخاص والسبب المباشر في أزمات العراق المتلاحقة .
٢- أمّا فيما يتعلق بالرافضين للأقلمة فهم يرفضون مبدأ الفيدرالية جملةً وتفصيلاً بإعتباره مؤشراً لبداية تقسيم العراق وتكريساً لمشروع بايدن سيء الصيت . ونتفاجئ هنا أيضاً أن أغلب هذا التيار من ( الدستوريون ) الداعين والمؤيدين لتطبيق الدستور ؟!! وأن رفضهم للأقلمة لا يستند إلى أي مسوغ قانوني أو دستوري ( بل هو كفر بواح بالدستور ) وإنما الى مخاوف شخصية ( ولهم كل الحق في تلك المخاوف ، بل ونشاطرهم فيها أحياناً ) . كما أن ما يثير الاستغراب أكثر أن أغلب أصحاب هذا الإتجاه تجدهم من المؤيدين لإقليم كردستان باعتباره - حالة خاصة - ( بالرغم من أن هذا الدستور هو ما أضفى الشرعية الدستورية على اقليم كردستان وأنه لولا مبدأ الفيدرالية الذي أقره الدستور فإن أقليم كردستان ( رغم وجوده كأمرٍ واقع ) سيكون غير شرعي - قانونياً على الأقل - ) .
هنا نجد أنفسنا مجبرين على البحث عن حلول لهذه الإشكالية ، وفي خضم كل هذه التناقضات نجد أنفسنا مجبرين على الدعوة لتطبيق الفيدرالية ، ولكن على أساس المحافظات لا على أساس المناطقية مما يعطي نوعاً من الطمأنينة للمتخوفين من ذهاب الأقلمة بالعراق نحو التقسيم .
كما أننا نرى أن الأقلمة على أساس المحافظات توجد حلاً منطقياً وقانونياً للكثير من الملفات العالقة والمتسببة للأزمات المتلاحقة بين أطراف العملية السياسية كملف محافظة كركوك وملف ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان ، كما أنها توجد حداً للأصوات الناعقة بتقسيم العراق الى كانتونات طائفية عبر بوابة الفيدرالية .
نعلم يقيناً أن الأقاليم المناطقية والتي يريد أصحابها إنشائها على أسس طائفية ستفتح الباب على مصراعيه لتدخلات دول الجوار ، فإيران مثلاً والتي نصبت نفسها حامياً للشيعة حول العالم لن تنفك عن محاولة مد نفوذها وزرع عملائها في الإقليم الشيعي ، وكذلك الأمر ينطبق على دول الخليج وتركيا فيما يخص السنة والتركمان .
ولذلك فإننا ندعو المعارضين للأقلمة الى تفهم رؤيتنا ، بل وإلى دعمنا لإيصال ما نعتقد أنه صوت العقل في ظل هذا التجاذب الطائفي الذي يعاني منه العراق الآن والذي تسعى دول الجوار والحكومة العراقية على حدٍ سواء الى ترسيخه خدمةً لمصالحهم ، فالعراق ودماء العراقيين أكبر من المصالح الحزبية الضيقة ومن التعصب الأعمى لآراء هذا الطرف أو ذاك .
الأقلمة على أساس المحافظات سترفع الغطاء الطائفي عن هذه المحافظات ، فلن يمكن حينها إضفاء صبغة طائفية أو عرقية معينة على إقليم كركوك مثلاً ، وكذلك الأمر بالنسبة للمحافظات الأخرى ( كالبصرة وبابل وديالى والموصل وصلاح الدين وغيرها ) وذلك بسبب التنوع الديموغرافي في تلك المحافظات ، مما يعني سحب البساط من دول الجوار الطامعة من التعامل مع هذه الأقاليم على أساس طائفي أو مذهبي ، كما أن التحجج بالحلول الواهية مثل ما يسمى بالصلاحيات الواسعة لمجالس المحافظات لم يعد مجدياً في ظل هذا التجاذب الطائفي وفي ظل الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة .
فنحن نعلم أن الولايات المتحدة لم تكن لتنجح في العراق بدون إخضاع الشعب العراقي للطائفية المقيتة . ولكننا نعلم أيضاً أن العراق لن يعود إلى ما قبل 2003 في ليلةٍ وضحاها ، وأن تلك الطائفية المقيته التي زرعتها قوى الإحتلال ودول الجوار لن تمحى من ذاكرة العراقيين بضغطة زر ، ولا بخطابات السياسيين ، ولا حتى بالصلوات الموحدة .