إلى كل كاتب ومفكر ونائب عراقي حر

 

جميل أن يتألم أحدنا وهو يرى عواصف من السلبيات تجتاح عراقنا الحبيب وتأخذ بلا رحمة في فتائلها الأرواح والممتلكات ، وجميل أن يشعر البعض بالحزن والامتعاض وهو يرى حكومة فاشلة تتعامل مع واقعنا المعقد بعفوية وجهل مطبقين ، فيبادر قلمه من وحي الحرص على مصالح الأمة والوطن في سيل من النقد ، فممارسة النقد أعظم وسيلة اكتشفها الإنسان للبناء ، كما قال الكاتب الاسكتلندي ( كانت ) . ولذا فإن ممارستنا للنقد ووضع الأصابع على جروحنا التي اصبحت لا تعد هي ظاهرة جيدة ، ولعل من مؤشراتها أننا أمة يستشعر بعض جسمها آلام الأخطاء التي يقترفها الآخرون . لكن هل يكفي أن نسوّد صفحات الصحف ومواقع الأنترنت بآلاف المقالات لكي نحقق الهدف الذي نسعى إليه ، وهل يكون في وسعنا - من خلال ما نكتب - أن نصلح ما أفسده الآخرون ؟ فها نحن تجاوزنا عقد من الزمن على سقوط النظام السابق لكننا لم نفلح في أن نخلق حياة جديدة مستقرة بعيدة عن رائحة الدم والبارود ، خالية من الفساد والمفسدين ، إذن ماذا كنا نفعل نحن المخلصون الذين ما فتئنا نقرع بطبول النقد ونهتف في آذان المسؤولين الفاشلين أو السارقين أو التافهين ، ومع ذلك فما زال كل أؤلئك جاثمين على صدر الوطن ماسكين بضرعه يشفطون بخيراته غير آبهين بما نكتب أو نهتف . أما نحن فلم نزل مهمشين مطرودين محاربين لانملك في معركتنا مع الفساد وأهله غير القلم أو الجلوس ساعات طويلة أمام الشاشة الصغيرة ، نبحث فيها عن أخبار تزيد من كآبتنا وتعمق من مشاعر اليأس في دواخلنا . نحن أيها الأخوة الكتاب والمفكرون ، لو بقينا على ما نحن عليه فسوف لن يتغير واقعنا المرير أبدا ، لأن القابعين على صدر الوطن ، أكثر منا دهاءً ونشاطا وطموحا ، يجمعهم أكثر من هدف ، ويقوي جبهتهم الحرص على ما استحوذوا عليه من مكاسب دنيوية وامتيازات ، سوف لن يفرط أحدهم بها ، وقد تلذذ في حلاوتها واستمرأ طعمها ، أنهم سوف يقاتلون من أجلها ، وقد يشعر البعض منهم أنه قد يفضل الموت على أن يتخلى عنها ، ولذا فإنهم سوف لن يترجلوا عن أكتاف الوطن ، وأن عراقكم سوف يبقى ينوء بثقل جهلهم وجشعهم ، حتى تستيقظوا من سباتكم وتنهضوا من رقدتكم . نحن أيها الأخوة ، ما زلنا لم نحسن صنعا ، يستخف بعضنا ببعض ، لايعرف بعضنا الآخر إلا من خلال ما نقرأه من كتابات في المواقع أو الصحف ، غير مستعدين أن نلتقي بل يكره بعضنا أن يتكلم مع صاحبه ، لانريد أن نتجاوز في اساليبنا المزعومة لإنقاذ الوطن أكثر من صرخة عابرة في مقال أو حديث تتصدق به علينا بعض الفضائيات . نحن لا نختلف عمَّن سرقوا الوطن بجشعهم وطمعهم ، فهم يسرقون ونحن ننظر إليهم فرادى ، وفي كل يد واحد منا قلم وورقة ، لا نفكر بأكثر من ذلك ، فهم مجرمون يصرون على قضم حقوق فقرائنا ، ونحن عاجزون عن إيقافهم ، في زمن امتلكنا فيها الحرية والحركة ، الشعوب الحرة الأخرى تصرفت بغير ما نحن عليه ، إن مثقفيها ومخلصيها شكلوا الجمعيات والمنتديات ، وراحوا يبحثون عن أكثر من أسلوب لإنقاذ الوطن مع القلم والقرطاس ، خرجوا إلى الشوارع وهتفوا حتى تمزقت حناجرهم ، فكان في ذلك فزع للحكام الفاسدين . ارجعوا إلى التاريخ فسوف تجدون رجال قلائل استطاعوا أن يقلبوا موازين الأمم ، فاقرأوا روسو وكانت وديفيد هيوم وغيرهم ، بادروا وتعاملوا بصدق مع الفساد ومصادر الخراب ، فهزموا أعداءهم ومهدوا لتغييرات وثورات اجتماعية كبيرة ، أمةٌ أيها الكتاب الأعزاء لاتمتلك مبادرين أمة خائبة ، وها نحن نعيش هذه الخيبة ، لأن معركتنا مع الفساد والفاشلين وعباد الدنيا ، يغيب عنها المبادرون والشجعان والأبطال . لا يكفي أيها الأحبة أن يمتلك أحدنا عمودا في صحيفة ، يطل من خلالها على واقعنا الرديء في كل يوم بأسطر سرعان ما تتلاشى كفقاعات لعب الأطفال ، ويظن أن فيها كل الفتح ، إن ذلك العمود مصدر للسخرية من قبل الوالغين في دمائنا والناهبين لأموالنا والجاثمين على صدورنا ، اخرجوا أيها الأحبة من قماقم نفوس ضيقة وعقول تحددها مشاعر الإنانية والغرور . نحن بحاجة إلى أن نكون قريبي من بعضنا ، كي يتسنى لنا التفكير في ما يحيق بنا من كوارث ، علينا أيها الأخوة أن نلملم شتاتنا بأي طريقة كانت ، ولا أعتقد أن ذلك مستحيل ولا صعب مع توافر وسائل الإتصال الحديثة ، علينا أن نشكل ( لوبي ) في الداخل والخارج ، في القصبات والمدن و البلدان ، في أي مكان نتواجد فيه ، يجب أن يكون لنا صوت مسموع وحركة دائبة ومشاريع على الأرض ونظريات ومتبنيات مادية وفكرية ، هي لبنات سوف تشكل تدريجيا صرح الحل المنشود ، تشكل شيئا فشيئا جبهة تلتمع فيها أسنة الرماح وهدير صهيل الخيول التي وحدها تدخل الخوف والرعب في صدور المفسدين والفاشلين والفارغين ، وعندها فقط سوف تشهدون كيف ينسحب عبَّاد الدنيا من المعركة ، وعندها فقط يكون في وسعكم أن تجدوا مكانا تمارسون فيه دوركم في البناء والإصلاح وقيادة شعبكم الذي أنهكته قيادة الفاشلين وضيعت عليه كل فرص الحياة الكريمة . بادروا أيها الأحبة ومن أماكن تواجدكم إلى الاتصال بمن تعرفونهم من إخوتكم المخلصين الذين يمتلكون وعيا وكفاءة وصدقا وإخلاصا لإنقاذ عراقكم المظلوم ، أكفروا بأمسكم المظلم وسجلوا اسماءكم في قائمة الأبطال المبادرين ، كي تفسحوا لشمس الإصلاح أن تعلوا في سماء العراق الذي أنهكه الظلام . فالإصلاح ولا غير الإصلاح يمكن من خلاله أن نغير واقعنا القاتل القاتم المخيف ، لكن ، من أجل ذلك علينا أن نمتلك شجاعة وصبرا وإقداما ليكتبنا التاريخ من المصلحين ، فالحسين لو لم يخرج مبادرا لخوض تلك المعركة التاريخية لم ينتصر ، ولم يخلد ولم يحقق فتحاً كبيرا ، أو تعلمون أيها الأحبة أن عنوان ثورة الحسين وشعارها كان الإصلاح ، لقد قالها مدوية وهو يحث السير نحو كربلاء : خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي . فهل لنا أن نخرج لطلب الإصلاح في شعب مظلوم تقاسمت خيراته ودماءه جبهتان ، جبهة الجهل وقلة الوعي وجبهة الانتهازيين والوصوليين . يا أيها الكتاب الشرفاء ، كل مقومات النصر تتوفر لديكم ، لكن ينقصها الشجاعة والمبادرة وطريق نلتقي عليه جميعا لنهتف فوقه سويا باسم الوطن ، ولنشير جميعا وليس فرادى بأصابعنا نحو من استغفل الأمة واستباح خيراتها وقدراتها ، ولنهتف جميعا وليس فرادى نشيد الثورة والرفض ، وكفى صمتا وجبنا وترددا . ولا أريد أن ابخس بعض الحقوق ، فهناك من يشارككم الرأي أو الحزن على ما يحصل ، من البرلمانيين أو المسؤولين ، لكن الذي يثير العجب ويثير السخرية بل وحتى الفزع ، أنهم يعيشون الحالة نفسها التي يعيشها الكتاب والمثقفون ، فهم يظنون أن دورهم في أنقاذ الأمة لا يتعدى الزعيق من خلال الفضائيات وعرض وثائق الفساد ، والتبجح أمام الغير في أنهم قد تصدوا دفة الإصلاح وتقدموا على غيرهم في محاولات إنقاذ الأمة من هيمنة الفساد والسراق أو الفاشلين ، كلا أيها النواب أنكم واهمون ، فليس في وسعكم ولا في وسع حناجركم ولا وثائقكم أن تغير من الواقع شيئا ، وها أنتم قد دخلتم سنتكم العاشرة ، ولم تسوقوا سارقا للقضاء ، أو تحيلوا بين اشلائنا وعبوات الإرهاب ، بل أنكم عجزتم من أن تشيروا ببنان ( أحمر ) صوب من ينهب ألمال العام أو يسفك دمائنا بفشله وخيبته ، لقد بقيتم كل سنواتكم تدورون كالناعور في دائرة التهم ، وما زال السارق والفاشل يضحك عليكم بملء أشداقه ، وسوف تبقون على ما أنتم عليه ، طالما بقيتم بعيدون عن الأمة وعن إخوانكم الكتاب والمثقفين والمخلصين . أنفروا أيها النواب الشرفاء والمسؤولون الكرام في كل ربوع عراقنا ( المختطف ) إلى فضاء آخر أكثر أثراً على واقعنا الذي يزداد سوءا ، شكلوا مع كل المخلصين جبهة للخلاص ، وهشموا في دواخلكم مشاعر الغرور ، والتقوا مع الآخرين على مائدة الإصلاح والمجد وإنقاذ الشعب الذي تساءلون عنه غدا بلا ريب . لا ينتظر أحدكم أن تُطرقَ بابه لينظم إلى دائرة المجد ، سارع أنت بنفسك لكسب الأجر واطرق أبواب الآخرين ، لنسارع جميعا إلى بعضنا ، فما عاد في الوقت متسع ، وكيف ثمة متسع وقد أصبحت دماؤنا أهون من ماء الرافدين ، وكراماتنا تسباح على الطرق أمام كل عين . إن كنت تعتقد أنك مهمش .