"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" الأنفال 46 "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" آل عمران 103 "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدِ ما جاءهم البينات" آل عمران 105 "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107 و"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" حديث نبوي.
هذه بعض المعاني الإسلامية الجوهرية التي أستحضرها , وأنا أتأمل ما يجري في واقعنا المأساوي الأليم. واقعنا الذي نكتب فيه بمداد الإنفعالات والدماء والدموع والأشلاء , تراجيديا الإنقراض المهين. والذي تعفنّا فيه , وتحول سلوكنا إلى طاعون يهلكنا بلا تمييز. فالنكبات تتواكب , والأحزان تتراكم , والنزيف لا يتوقف. فنحن ننزف وجودنا , وعقولنا , وثرواتنا , ومصيرنا , وبراءتنا , وطفولتنا , وكل ما يشير إلى ملامح ذاتنا , المسحوقة في طاحونة الوعيد , وسجير الحروب المقيمة في أوطاننا. وفي كل يوم تحصل فعلة مؤلمة مذهلة الشرور. فالطفولة صارت هدفا والبراءة جُرما , والحياة عبئا , والأيام قهرا ورعبا. وهكذا تجدنا أمام سلوك متوحش ضارب بقسوته , وإنكاره للدين والإنسان والوطن , والمُثل والقيم والمعايير الأرضية والسماوية , ودواعي التآلف والتعايش والمحبة والأخوة والتسامح والسلام , والتفاعل السامي الطاهر الوضاء. فالدين محبة وأخوة ورحمة ورأفة , وتعبير عن أسمى مفردات الخُلق الرحماني الصادق الطيب الحَسن الجميل. والدين الخُلق , والعمل الصالح , وإطلاق براعم الخير والسلام والإنسجام. والأطفال رياحين الخالق العظيم , فوق أرض تسبّح لملكوت رب العالمين. والأطفال أزهار صيرورتنا , وأعلام سرورنا , وعناصر فرحنا وبهجتنا , وإمتداد حياتنا في عروق الحاضر والمستقبل. والإعتداء على الطفولة , إعتداء على الله والدين والأنبياء والأئمة والأطهار والصالحين , وخطيئة كبرى وإثم عظيم. ولا يعتدي على الأطفال إلا ذوي العاهات النفسية والعقلية والسلوكية , وغيرها من عاهات الشر والسوء والثبور. وما يجري في واقعنا الذي يُراد له أن يزداد تأزما واضطرابا واحتراقا ودمارا , أن هناك قِوى علنية وخفية , تقوم بجرائم ذات طاقات إنفعالية عالية جدا , وتقرنها بالدين بطوائفه ومذاهبه ومدارسه وجميع ألوانه وأطيافه , وتتواصل في تكرار هذه المآثم وتعزز الإقران والربط , لتحقيق أعلى درجات السلوك الإنفعالي العاطفي الأعمى , اللازم لتأجيج المواقف وصناعة الحالات المطلوبة , لإدخال المجتمع في دوامة الخسران الأكبر , ودفعه إلى هاوية الإنقراض والتماحق والهلاك. وما يجري يصب في هذا المنوال , والناعور الذي يدور بعنفوان , ربما سيزداد قوة ودمارا , لدفع المجتمع إلى ما لا تحمد عقباه. وفي هذه الظروف الشرسة الآثمة المشحونة بالمخاطر والآتيات الجسام , لا بد أن نكتب بحكمة ووعي وتحسّب وحذر , وأن لا ننساق منفعلين وراء لعبة دفع الأمور إلى الهاوية. فالوطن واحد , والشعب واحد , والدين واحد , والرب واحد , والنبي واحد , والكتاب واحد. وما هذه إلا قِوى مسخرة لإشاعة الفواحش , وتدمير الدين وأهله بأهله , وإقامة الفتنة , وإحراق الوجود الإنساني الأخوي الرحيم , وفقا لمسميات وأجندات ذات أهداف بعيدة المدى , تريد أن تطغى على القرن الحادي والعشرين , وتجعل المجتمع يصطلي في جحيمات سقر. ويلوح في أفق الأحداث الصاخبة , وكأن مبرمجيها يقتربون من ذروة فعل مروّع , على أنه القشة التي ستقصم ظهر كلّ بعير , لتعلن أن لا عاصم من الغرق بعد اليوم, وهذا يذكّر بالأجواء الإنفعالية المقرونة بالأحداث الفتاكة , التي سبقت فاجعة سامراء الغاشمة النكراء. ولا بد لنا جميعا أن نقف بإرادة وطنية إنسانية متماسكة , أمام أهوال العدوان على قيمنا وديننا وطفولتنا , وإنسانيتنا ومعتقداتنا وتأريخنا, وأن نكون صفا واحدا , فلا ننساق وراء إستجابات يريدها الأشرار , ويخططون لها ويرغبون بها , لكي يتحقق إستثمارها في إنجاز الأهداف الفاحشة , الساعية لتدمير ما يشير إلينا , ويحقق دورنا الإنساني الحضاري العزيز.
"كونوا جميعا يا بنيَّ إذا اعترى خطْبٌ ولا تتفرقوا أفرادا تأبى العصيُّ إذا اجْتمعنَ تكسّرا وإذا افترقن تكسّرتْ آحادا"
وعاشت الطفولة البريئة الصادقة الواعدة , المشرقة بالآمال والطموحات الإنسانية المتوهجة , بأنوار المحبة والخير والرحمة والسؤدد الإنساني الباسم السعيد. وسيبقى أطفالنا فلذات وجودنا وأنوار حاضرنا ومستقبلنا , وحملة رسالات الأجيال في مدارات الزمن الرحيب.
وكأننا نسمع صرخة الطفولة المؤودة في ألف مريم ومريم , والمسجاة بدماء آثامنا وخطايانا , المتوجة بالأضاليل والتجهيل الحضاري السقيم. صرخة طفولةٍ , فيها نبضات أنين وتوجع , تستغيث بألم عجيب , وتردد: "وا وحدتاه" , "وا إسلاماه", ولا مَن يجيب!!!
" فويل لأمة كثرت فيها الطوائف وقلّ فيها الدين"!!
|