شهادة موسى بن جعفر {ع}... الشيخ عبد الحافظ البغدادي







يصف الواصفون الإمام موسى بن جعفر {ع} انه باب الحوائج وقاضي الحاجات .. وانه الإمام الثائر بعد الإمام  الحسين بن علي{ع} من أئمة أهل البيت {ع} ... والصفة الأخرى التي اشتهر بها انه كان  نزيل السجون ،، حيث زج به هارون العباسي بالسجن  بعد اعتقاله من المدينة إلى البصرة، ثم نقله إلى بغداد ، وانتقل في بغداء إلى ثلاثة سجون .. كان آخرها سجن السندي بن شاهك الذي نفذ عملية الاغتيال بالسم ، وأنهى حياة الإمام الكاظم عليه السلام  شهيدا مسموما في سجن هارون العباسي..

     ما معنى باب الحوائج ...؟؟ :....  كلمة باب هي مدخل لكل شيء .. باب مدينة معينة ، باب مدرسة أو باب بين .. وأحيانا يكون الباب معنويا ، مثل بعض العناوين في الكتب من جنس واحد .. وفي الكتب الفقهية الباب تعني جملة مسائل في حكم شرعي معين .. مثل الحج والصوم والصلاة .. تسمى باب الصلاة ..  وأحيانا رجل الدولة في تركيا يسمى الباب العالي ولعل له علاقة بإتيانه الناس لحوائجهم .. ونقول الحرب على الأبواب .. وفي الدراسات الحوزوية نقول المذاهب الإسلامية أغلقت باب الاجتهاد ...

كلمة الحوائج :..... الحوائج كلمة تأخذ معاني واسعة ، ربما لا يوجد إنسان ليس له حاجات ..متعددة .. مثل حاجات الطفل . وحاجات البناء ..والمخزن  توضع فيه حاجات .. وحاجات البشر هي المهمات التي يهتم بها .يقول الرسول الكريم {ص} " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا" حاجتان تركهما الرسول {ص} للأمة ..  وحوائج البيت متعددة ومختلفة ...

      هذه الحوائج التي لا يمكن حصرها كلها موجودة ، وحين تتواجد في أي مكان يقصده الإنسان لقضاء حاجته  مثلا المريض يتجه نحو الطبيب للعلاج ، ولا يمكن أن يذهب للبقال مثلآ .. والذي يبني بيتا يتجه نحو المهندس والمعماري ، والذي يريد أن يتعلم يذهب للمدرسة .. هذه غريزة بشرية يعرفها الإنسان بالفطرة ، لذلك المسؤول الذي لا يلبي حوائج الناس يتركونه وينبذوه.. يقولون انه لا يقضي حاجات الناس .. والذي تثبت التجارب عند قضاء حوائج الناس فانه يسمى باب الحوائج .....

      حوائج مهمة نعرفها تماما وهي "الحوائج تستعص على المختصين" مثلا يقف الطب عاجزا عنها ، ويعرف الناس مئات الحالات المستعصية على الطب ، أو عدم تجاوب قلب شخص معين في قضية خاصة يستعصي حلها عند الناس ، هذه الحاجة لا تشترى ولا تباع ولا يمكن حلها .. يصبح المكان الذي يتوجه له الناس في طلب الدعاء من الله في قضاء حوائجهم هو باب الحوائج .. يعني باب الله الذي منه يؤتى .. باب الله  

          نشرت جريدة النهضة العراقية بعدد(154) من عام 1347" بعنوان البصير الجديد :. يقول :" فقدت عيناي النور بقيت أتخبط على أيدي الأطباء ولم يتمكنوا من شفائي ، اضطررت إلى مراجعة مستشفى المجيدية للطبيب (جلال بك) فعالجني ولكن زاد الوجع ,يئست تماما الشفاء , فراجعت طبيبة العيون فرحة خاتون عسى أن يكون لديها الشفاء فخاب الظن , زاد وجعي عند هذه الطبيبة .. وأخيرا  اهتديت أن أزور الإمام موسى بن جعفر (ع) , ذهبت ليلة جمعة إلى صحن الإمام مستجيرا به , ووضعت عيني على الشباك وأنا أتوسل بالله في شفاء عيني  كنت متيقنا إن موسى بن جعفر باب من أبواب الله ... مرت خمس دقائق وإذا بني المح ضوءَ كأنه عمود برق .. أصبحت ومضة في عيني .. فتحتها وإذا بها سليمة متعافية . وقد تغنى الشعراء والأدباء هذه الكرامة ونظموا فيها قصائد  تحت عنوان (معجزة كاظميه) ...!!

بين المعجزة وبين الكرامة والغلو :.....هناك فرق كبير بين فكرة الغلو الذي يرفضه المسلمون كافة ، وبين الاعتقاد بكرامة أولياء اللـه ، واستجابة اللـه دعائهم ، وقيمتهم الاعتبارية عند الله .. والفرق في هذه الصفات أن فكرة الغلو تصل  بالشخص إلى درجة الإلوهية وترى أن الرب سبحانه وتعالى يحل في عباده ، حتى يصبح العبد هو الرب بذاته ، وتكون قدراته آنئذٍ ذاتية . أي حلول جزء من الله فيه مثل النصارى حين يرون أن المسيح ابن الله ، وكذلك اليهود يرون إن العزير ابن الله ، وإنهم شعب الله المختار.. هذه فكرة الغلو ...

         كتب البعض معاجز لابن تيمية حيث اخبر أصحابه بِدُخُولِ التَّتَارِ الشَّامَ سَنَةَ 699هـ ، وَأَنَّ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ تُكْسَرُ ، وَأَنَّ دِمَشْقَ لا يحدث فيها قتال ،َهَذَا قَبْلَ أَنْ يَهُمَّ التَّتَارُ بِالْحَرَكَةِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ وَالْأُمَرَاءَ سنة 702هـ   لَمَّا تَحَرَّكَ التَّتَارُ وَقَصَدُوا الشَّامَ : أَنَّ الدَّائِرَةَ وَالْهَزِيمَةَ عَلَيْهِمْ ،...

     الأخرى :.لَمَّا تَوَلَّى عَدُوُّهُ "  بِالْجَاشِنْكِيرِ"  الْمُلْكَ أَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ ، وَقَالُوا: الْآنَ بَلَغَ مُرَادَهُ مِنْكَ ، فَسَجَدَ وَأَطَالَ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا سَبَبُ هَذِهِ السَّجْدَةُ ؟ فَقَالَ : هَذَا بِدَايَةُ زَوَالِ دَوْلَتُهُ . فَوَقَعَ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ  "مدارج السالكين" (2/ 458-459) .....

أما حصول الكرامات لصلحاء الأمة وزهادها : قَالَ: " شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْحِيرَةِ أُتِيَ بِسُمٍّ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : سُمُّ قَالَ : " بِسْمِ اللَّهِ " ثُمَّ شربه – يعني ابتلعه ولم يصبه سوء – " ."شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (6/498) ، "البداية والنهاية" (6 /382) . ..عَنْ ثَابِتٍ البُنانيّ قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ بن مالك  فَجَاءَ صاحب ارض َقَالَ : " يَا أَبَا حَمْزَةَ قَدْ عَطِشَتْ أَرْضُنَا ، فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا ، فَرَأَيْتُ السَّحَابَ يَلْتَئِمُ ،ثُمَّ مَطَرَتْ حَتَّى مَلَأَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَلَمَّا سَكَنَ الْمَطَرُ بَعَثَ أَنَسٌ بَعْضَ أَهْلِهِ فَقَالَ : انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتِ السَّمَاءُ ؟ فَنَظَرَ فَلَمْ تَعْدُ أَرْضُهُ إِلَّا يَسِيرًا " ."شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (7 /11) ، "البداية والنهاية" (9 /107) .

 ولو أردت أن اذكر لك ما كتب من كرامات لأشخاص يعتبرونهم علماء الأمة أو زهادها .. أليك قصة عنْ شخص اسمه بلال بْنِ كَعْبٍ الْعَكِّيِّ قَالَ: " رُبَّمَا قَالَ الصِّبْيَانُ لِأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ إِذَا مَرَّ الظَّبْيُ: ادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُ عَلَيْنَا هَذَا الظَّبْيَ ، فَيَدْعُو اللَّهَ فَيَحْبِسُهُ حتّى يأخذُوه بأيدِيهم " .يعني تقف لهم الغزال فيصيدونها..وعن الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ : " كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يَجْتَنِي الرُّطَبَ مِنْ شَجَرِ الْبَلُّوطِ " ...!!!!

أذن ما هي الكرامة ...؟؟؟ :.. نحن المسلمون نعتقد  استحالة حلول الله في شخص مهما كانت منزلته ، بل نعتبر ذلك نوعا من أنواع الشرك ، لكننا  في ذات الوقت تذْكر معاجز الأنبياء (ع)  لكننا نعتقد بكرامات الأنبياء والأولياء وقد ذكرها الله في كتابه الكريم بعضها معاجز وبعضها كرامات ..

في شأن عيسى ابن مريم (ع) : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بأية مِن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَاَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللـه وَاُبْرِئُ اْلأَكْمَهَ وَاْلأبْرَصَ وَاُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللـه } تكرار كلمة بأذن الله تدلل على أن تلك المعاجز لا تعني حلولاً إلهياً في شخص عيسى ليجعله ابناً له ... بل اللـه يهب لعبده ما يشاء  ومتى يشاء .{{الإذنية تعني الإرادة التي يمنحها  الله تعالى  لمخلوقاته}}مثل الضرر الذي يصيب الإنسان بفعل الجن .. فهل الجن له قوة الإرادة " التكوينية" في ضرر الإنسان ..؟ الجواب لا ولكن جعل الله الإنسان مختلفا عن الحجر فتؤثر فيه المخلوقات ، وهذه الإرادة " المشيئة الإلهية تعطى لشخص يؤثر في الإنسان.. كما أعطاها لعيسى فيسميها القران " أذن الله " جعلت من الطين الذي لمسه عيسى يتحول إلى طير فيه روح .. ويضع يده على الأعمى فيبصر ، ويقرأ آيات ودعاء على الميت فيحيى من موته ....

 ورد في تفسير ألفاظ القران  "باب أذن" الإذن تعطى كرامات لبشر سواء في حياتهم أو بعد مماتهم هذه عقيدة المسلمين جميعا .الأولياء أكرمهم الله  بالعلم والقدرة ، هذا من صميم عقيدة التوحيد ، أوليس اللـه يكفي عبده وينصره ويطلعه على بعض الغيبيات .. ولو رجعنا إلى غيبيات القران لوجدناها كثيرة ... يضاف ما تحدث به رسول الله {ص} بكثير من الغيبيات .. " يا عمار تقتلك الفئة الباغية " يقول للإمام علي {ع} " ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين " " وقوله لعلي {ع} سينبعث أشقاها  فيخضب هذه من هذه وأشار إلى لحيته ورأسه "..!!  هذه غيبيات اطلع عليها رسول الله {ص} بالاشائات الربانية ....ثم هناك نصوص قرآنية تبين إن الله يحب شرائح ويكره شرائح أخرى ، مثلا قوله تعالى . " إن الله لا يحب كل مختال فخور " تقابلها صورة أخرى " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " ويحب المتوكّلين ، ويحب من يطيعه ، ويجزي من يعبده ، ويجزي المتصدقين ، ويجزي المحسنين ، ويكرم المتقين ، ويسلّم ويصلي على عباده الصابرين ؟ كما نقرأ في أكثر سور القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــ> {{ إن من لا يعتقد بالتأييد الإلهي لعباده الصالحين وفي طليعتهم الأئمة المعصومين (ع) ، ويثير الشكوك حول معاجزهم " يكاد يكفر بآيات القرآن وسنن الله مع المؤمنين .. أولا أن تعتقد إن اللـه هو القوي العزيز يفعل ما يشاء... وأنه لا يفعل إلاّ بحكمة بالغة ..ثانيا خلاصة الحكمة " جزاء من أحسن وعقاب من أساء " وإذا كـان سواء عنده من أحسن ومن أساء وكان لا ينصر عباده المؤمنين ولا يخذل الكفار والمنافقين ، فما هي فائدة الإيمان بقدرته ولماذا اعبده وانصره وهو لم ينصرني ..؟؟من التأييد..

1 / انه بعث روح السكينة ليـؤيد بها قلوب المؤمنين كما حدث في واقعة بدر  قال تعالى{ إِذْ تَسْتَغِيثـُونَ رَبَّكـُمْ فَاسْتَجـَابَ لَكـُمْ إني مُمِدُّكـُمْ بألف مـِنَ الْمَلآَئِكَــةِ مُرْدِفِيـنَ * وَمَا جَعَلَهُ اللـه إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}.. وهذا التأييد الإلهي  والسكينة والطمأنينة وتنزل الملائكة ، ما كان لينزل على المؤمنين إلا بعد قوة إيمانهم  صبرهم (وحاجتهم إلى ذلك ) عندما يكون الأمر لا يحل إلا من قبل الله هنا يستجاب الدعاء...

2- في الإسلام يعتبر القائد مركز الثقل في تنفيذ القرارات الإلهية ولذلك يجب أن يكون مؤيدا من رب العالمين وتكون نفسيته مطمأنة أولا ثم يقود الناس ليكون " أقربهم إلى الله " قال تعالى { ثُمَّ أَنْزَلَ اللـه سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا } .. ولا يمكن أن نعرف مدى الدعم لأنه قال:" لم تروها" .

3- هل يمكن أن يكون التأييد للمؤمنين مباشر ..؟؟  يقول تعالى { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَاَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُم} ... هنا ظهرت لدينا كلمتان " سكينة و أذن الله  " ما معناهما ...؟؟؟

    السكينة :..  السكن الثبات بعد الحركة .. وتستعمل في سكن الناس في مناطق معينة..{ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} وكلمة سكين لأنها تزيل حركة المذبوح .. وحينما يتحرك قلب المؤمن بسب خوف أو رجاء أو طلب حاجات .. يكون اتصال بين العبد وربه .. يقول تعالى :{ فانزل سكينته على قلوب المؤمنين } وفي آية أخرى { إن صلاتك سكن لهم } يعني دعائك لهم بالرحمة والتوفيق .. وهو زوال الرعب وتحول القلب من القلق إلى التفاؤل هذا بسبب السكن الذي ينزله الله .. فصلاتك سكن لهم ليست خاصة بالنبي {ص} بل بالمؤمنين والعباد الصالحين { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكنُ لهم} ...

      معنى كلمة الأذن:..هي الجارحة المعروفة .. وحين يعزف البعض عن استماع الحق يقول القران الكريم{ في آذانهم وقرا} والأذن أحدى أبواب العلم لأنها  توصل المعلومات للعقل..{ ائذن لي ولا تفتني}وكلمة آذان حين يرفع للصلاة ،الفرق بين الأذان وإذن العلم كبير .. لان الأول هو نداء لقضية صغيرة ولحالة معينة .. مثل آذان المغرب، لصلاة المغرب فقط.. وفي الحج{ وأذن للناس بالحج} بينما إذن الله هو علم الله وإرادته { وما أرسلنا من رسول إلا  ليطاع بأذن الله} هنا أذن الله هو علم الله وإرادته ..لا أريد أن يخلط المستمع بين الآراء التي تقول في علم الأبراج وقراءة الأفكار والعقل الباطن .. لان بحثي يتعين بالمؤثرات بعضها ببعض ..

  قضية ثانية مهمة جداَ :..القران يذكر سورا تعين على  تلافي الأخطار تسمى المعوذات .حين يصيبنا مس من الجن هذا بأذن الله { وما هم بضارين به من احد إلا بأذن الله} يتبين من هذه النصوص إن هناك مؤثرات بين الجمادات والجن والأنس سواء الأرض أو الشجر أو البحر وغيرها ,تتداخل بعضها ببعض بأذن الله وهي التي نسميها علم الله   هل من الممكن أن أأثر على شخص معين دون ضربه ..؟ الجواب نعم يمكن بكلمة أن انتقم منه، ضرب ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من ضرب الحسام المهند ..!!أو العكس .{ صل عليهم إن صلاتك سكن لهم } { ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} أو قراءة بعض السور والآيات والدعاء بخصوص شخص أما لفائدته أو لضرره ، فيكون التأثير مباشرا , وحالات إصابة الحسد واضحة جلية ..

     فكيف بشخص كان حليف القران مثل الإمام موسى بن جعفر{ع} أعبد الناس لله في عصره ، وأعظم المطيعين للخالق ، كان له من المعاجز والكرامات ما اعترف بها المسلمون جميعاً ، وهو باب من أبواب الله ،والأيمان بهذه القضية هي أيمان إن الله الذي خلق محمد {ص} أعطاه قلبا هو أطيب القلوب وأشرفها واعلمها ، كان ينظر للسماء فيرى ما لا يراه الناس ، حتى وصل إلى مرحلة نزول جبرائيل والملائكة ، كان يرى ما بين السماء والأرض وكشف عنه الغيب ، كان يتصل بالسماء عن طريق الدعاء ، وكانت السماء تستجيب ينزل جبرائيل وملائكة آخرون بمجرد كلمة يقولها.. هذا بسبب وجود استعداد نفسي وتوجه من النبي {ص} لله تعالى فوصل أن يقول القران { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} هذه النخبة اللذين اوجب الله حبهم والصلاة عليهم ، أصبحوا أحباب الله ...

{**يقول الإمام الباقر {ع} "إن أردت أن تعلم إن فيك خيراَ فانظر إلى قلبك ، فان كان يحب أهل طاعة الله عزوجل ويبغض أهل معصيته * ففيك خير والله يحبك* وان كان قلبك يبغض أهل طاعة الله * فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب* .... سال أعرابي  الإمام علي {ع} عن درجات المحبين ما هي ..؟ قال{ع}: أدنى درجاتهم من استصغر طاعته ، واستعظم ذنبه ، ويظن أن ليس في الدارين مأخوذ غيره ، فغشي عليه وحين انتبه سأله هل درجة أعلى منها ..؟ قال نعم .. سبعون درجة.. *}} 

كلام في الإمام الكاظم :إذن كيف ننظر إلى موسى بن جعفر {ع} ، "نحلل حياته وقلبه ونظرته للعبادة" هل يمكن أن نقارن بين عبوديته وبين غيره..؟ هو العبد الصالح ، لو تأملنا معانيها سنجد في طياتها معاني اكبر بكثير من التذلل، يقول صاحب مفردات القران كلمة العبد { لا يعرفها إلا من يستحقها في الأفضال وهو الله..!! { وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه} .. والعبد ينقسم بالقران إلى أربعة أقسام ...

1- :.. الذي يقع بسبب طرف معين كالحرب أو الفقر تحت عبودية إنسان آخر ......

2-  عبد بالإيجاد .. أي إننا وجدنا أنفسنا عبيد لله رغما علينا.. { وما أنا بظلام للعبيد} 

3- عبد بالعبادة والخدمة .. حين يقول ما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون .. هنا ينقسم العبيد قسمين . الأول:العبد العاصي لربه .قسم يعصي بينه وبين ربه .. وآخر يجاهر ويعاند ويعارض القران ويتهجم على الإسلام ، وله مواقف ضد أي قانون إسلامي ، ويعتبر كل الخرافات عائدة للدين ,,,

القسم الثاني :..عبد مخلص لله { واذكر عبدنا أيوب} { انه كان عبدا شكورا}  وقوله تعالى{ نزل الكتاب على عبده} { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا }{ واتيناه رحمة من عندنا} ..

                                                      كرامات الأولياء

إثبات الكرامات ـ الحكمة من الكرامات :..كثير من الناس يسالون عن الكرامات ؛ هل هي ثابتة في الشرع ؟ هل لها دليل من الكتاب والسنة ؟ ما هي الحكمة من إِجرائها على يد الأولياء والمتقين ؟ .. إِلخ. وبما أن موجات الإِلحاد والمادية، وتيارات التشكيك والتضليل قد كثرت في هذا الوقت، فأثرت في عقول البعض من أبنائنا، وأضلَّت العديد من مثقفينا، وحملتهم على الوقوف من الكرامات موقف المنكر الجاحد، ولضعف إِيمانهم بالله وقدرته وقلة تصديقهم بأوليائه وأحبابه.سنعالج هذا الموضوع إِظهاراً للحق، ونصرة لشريعة الله تعالى.

إِثبات الكرامات:ثبتت كرامات الأولياء في كتاب الله تعالى :..

1ـ قصة أصحاب الكهف وبقائهم في النوم أحياء سالمين مدة ثلاثمائة وتسع سنين، وأنه كان يحفظهم من حر الشمس: {وتَرى الشمسَ إذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عنْ كهفِهِم ذاتَ اليمينِ وإذا غَرَبَتْ تقرِضُهُم ذاتَ الشمالِ} وقال: {وتحسَبُهُم أيقاظاَ وهُمْ رُقودٌ} قال: [قال الإِمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير عن أصحاب الكهف: (احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات وهو استدلال ظاهر، فنقول: الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والأخبار والآثار والمعقول..) وهؤلاء ليسوا أنبياء..!

2ـ هزُّ مريم جذعَ النخلة اليابس، فاخضرَّ وتساقط منه الرُّطَبُ الجني في غير أوانه، قال تعالى: {وهُزِّي إليكِ بجذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عليكِ رُطَباً جنيّاً} [مريم: 25].

3ـ قصة زكريا {ع} كان كلما دخل على مريم المحراب، وجد عندها رزقاً، وكان لا يدخل عليها أحد غيره فيقول: يا مريم أنَّى لك هذا ؟ تقول: هو من عند الله. .. وهي ليست نبيه ..!

4ـ قصة آصف بن برخيا مع سليمان {ع} ما قاله المفسرون {قالَ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتيكَ بهِ قبْلَ أنْ يرتَدَّ إليكَ طرفُكَ}  فجاء بعرش بلقيس من اليمن إِلى فلسطين قبل ارتداد الطرف.

5- ضلع بقرة التي أمر الله بني إسرائيل إن يذبحوها حين قتل يهودي وحدث فيها اتهامات بينهم ..{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} كان المفروض أن يأخذوا عظم منها يضربوه في الميت ، فيتكلم ويخبرهم عن قاتله ...

6- أعطى الله كرامة لجميع الأنبياء والأولياء كرامة العلم ، وهذه الكرامة لا تحدث لأي مخلوق ومتعارضة مع العقل ، كيف يعلم شخص ما في السماء وما تحت الأرض وهو لم يدرس تحت يد أستاذ ..؟
7-  شفاء الإمام أمير المؤمنين {ع} على يد النبي{ص} يوم خيبر في قصة معروفة ...

     إذن الكرامة ليست كبيرة على أهل البيت , عدل القران ، وأبواب رحمة الله ، والذين أمرنا الله  ورسوله بحبهم وإنهما لن يفترقا عن القران حتى يوم القيامة .. وليس كبيرا أن يجعل الله الإمام موسى بن جعفر {ع} بابا من أبواب رحمته ، وملجأ يلجه الراغبون .... قال إسحاق بن عمّار : لمّا حبس هارون أبا الحسن موسى{ع} ، دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين : إمّا أن نساويه وإمّا أن نشاكله" أي نوافقه علما"  ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإنّ كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها  فقال له : ما لي حاجة ، فلمّا أن خرج قال{ع} لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : هذا يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ، وهو ميت في هذه الليلة ..! فغمز أبو يوسف لمحمّد بن الحسن للقيام ، فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة ، وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم غيب لننظر ما يكون من أمره هذه الليلة ويأتينا  خبره من الغد ، فمضى الرجل ، ما كان في الغد حتى سمعوا الواعية والناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان فجأة من غير علّة . 
فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمّد ، وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن ( عليه السلام ) ، فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك ، أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله{ص} علي بن أبي طالب{ع} ، بقيا لا يحيران جواباً . هذا هو السر المستودع فيهم .. ......الحكمة من إِجراء الكرامات على يد الأولياء:

اقتضت حكمة الله تعالى أن يكرم أحبابه وأولياءه بأنواع من خوارق العادات، تكريماً لهم على إِيمانهم وإِخلاصهم، وتأييداً لهم في جهادهم ونصرتهم لدين الله، وإِظهاراً لقدرة الله تعالى، ليزداد الذين آمنوا إِيماناً، وبياناً للناس أن القوانين الطبيعية والنواميس الكونية إِنما هي من صنع الله وتقديره، وأن الأسباب لا تؤثر بذاتها ؛ بل الله تعالى يخلق النتائج عند الأسباب لا بها، كما هو راي جميع المسلمين ...

وقال الشيخ محي الدين بن عربي :الكرامة على قسمين: حسية ومعنوية، ولا تعرفُ العامةُ إِلا الحسية ؛ مثل الكلام على الخاطر، والإِخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والآتية, مثل المشي على الماء، واختراق الهواء، وطي الأرض، والاحتجاب عن الأبصار، وإِجابة الدعاء في الحال، ونحو ذلك. فالعامة لا تعرف الكرامات إِلا مثل هذا. وأما الكرامة المعنوية فلا يعرفها إِلا الخواص من عباد الله تعالى، والعامة لا تعرف ذلك مثلا :أن يُوفَّق لفعل مكارم الأخلاق والمحافظة على أداء الواجبات مطلقاً في أوقاتها والمسارعة إِلى الخيرات، وإِزالة الغل والحقد من صدره للناس والحسد وسوء الظن، وطهارة القلب من كل صفة مذمومة،ومراعاة حقوق الله في نفسه وفي الأشياء، وتفقد آثار ربه في قلبه..فهذه كرامات معنوية ..الفتوحات المكية ج2. ص369

إصرار هارون على قتل الإمام الكاظم (عليه السلام)

1-  حبسه في البصرة سنة ثم نقله الى بغداد..  حبسه في البصرة عند واليها عيسى بن أبي جعفر بن المنصور سنة «ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خَلَّيْتُ سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو عليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه ..

2-  كتب الرشيد في قتله، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته ، فاستشارهم فيما كتب به الرشيد ، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه. وكتب عيسى إلى الرشيد يقول له: قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي ، وقد اختبرت حاله ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه ، فما دعا عليك ولا عليَّ وما ذكرنا بسوء ، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة والرحمة ، وإن أنفذت إلى من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فإنني متحرجٌ من حبسه » ! فوجه هارون من يتسلمه وصيره إلى بغداد وسُلِّمَ إلى الفضل بن الربيع ، وبقي عنده مدة طويلة ، ثم أمر هارون بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان{ع} "مشغولاً بالعبادة يُحيي الليل كله صلاة وقراءةً للقرآن ، ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب" ، فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقف عن ذلك ! فاغتاظ الرشيد لذلك وتغير عليه »  

   لو تابعنا حبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم الفضل بن الربيع ، ثم الفضل بن يحيى البرمكي ، ثم السندي  بن شاهك الذي سقاه سماً في رطب أو طعام آخر ، ولبث ثلاثاً ثم مات في اليوم الثالث في سجنه..

تثار أسئلة كثيرة على هذه الرحلة .. لماذا لم يعاقب هارون عيسى بن جعفر والفضل بن الربيع؟  فقد رفض عيسى والي البصرة قتل الإمام الكاظم{ع} ولماذا «تحرج من حبسه »! وطلب من هارون نقله من عنده  وإلا أطلقه ! فقبل هارون ولم يغضب عليه !.. وكذلك فعل حاجبه الفضل بن الربيع، فنقله هارون من عنده ولم يغضب عليه!.. بينما غضب على رئيس وزرائه يحيى بن خالد ، لأنه وسع على الإمام{ع} ورفض أن يقتله !

   الجواب :..السبب أن والي البصرة عيسى بن جعفر بن المنصور ، أخ زبيدة زوجة هارون لأنه متزوج ابنة عمه المنصور  وخال ولده الأمين ...وهو من كبار العباسيين ، وكان لفترة والي مكة وأمير الحج وكان عزيزاً عند هارون حتى أنه لما مرض ، أرسل له هارون طبيبه الخاص وعالجه حتى شفي  ..ومن تناقض عيسى بن جعفر ، أنه كان يتأثم من قتل الإمام الكاظم {ع} لكنه كان يحث هارون على قتل ابنه الإمام الرضا {ع} لأنه ادعى الإمامة بعده !.. روى الصدوق في عيون أخبار الرضا  أن عيسى بن جعفر قال لهارون: «لما توجه من الرقة إلى مكة: أذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب ، فإنك حلفت إن ادعى أحد بعد موسى الإمامة ضربت عنقه صبراً وهذا علي ابنه يدعي هذا الأمر ، ويقال فيه ما يقال في أبيه ! فنظر إليه مغضباً فقال: وما ترى، تريد أن أقتلهم كلهم...؟؟ ! قال موسى بن مهران: فلما سمعت ذلك صرت للإمام الرضا {ع}فأخبرته فقال: ما لي ولهم لا يقدرون على شئ » !

   أما وزيره الآخر الفضل بن الربيع، هذا أبوه الربيع اشتراه جده  المنصور ،وسبب شرائه  لان المنصور اشتكى ضعف حجابه فقال له: «أستخدم قوماً وقاحاً ! قال: ومن هم ؟ قال: أشتر قوماً من اليمامة فإنهم يربون الملاقيط ( اللقطاء الذين لا آباء لهم) ! فاشتراهم وجعل حجابه منهم وكان منهم الربيع الحاجب وحين ولد له ولد اسمه الفضل جعله هارون حاجبا مقربا عنده ...فهرست ابن النديم/285).  يذكر صاحب كتاب تاريخ بغداد: عن الربيع بن يونس ..كان ربيع حاجب أبي جعفر ومولاه ، ثم صار وزيره ، ثم حجب المهدي ، وهو الذي بايع المهدي وخلع عيسى بن موسى. ومن ولده الفضل ، حجب هارون ومحمداً المخلوع.. ابن عياش كان يطعن في نسب الربيع طعناً قبيحاً ، ويقول للربيع: فيك شبه من المسيح » ! يقصد بلا أب ، فاستلقى المنصور من الضحك !.....كان الغالب على الرشيد يحيى البرمكي وجعفر والفضل ابناه، فترة من خلافته صار لهم أمر ونهي وأمور المملكة إليهم سبع عشرة سنة !ثم كان الفضل يغلب عليه » (اليعقوبي:2/429).

              فهذا هو الربيع وابنه الفضل ، اللذان حكما الدولة الإسلامية مع الخليفة! هم من أصل زنا كما كان ابن زياد .. والمصيبة الكارثة إن هارون كان يعتبر الفضل ابنه ولا يخاف من تعاطفه مع الإمام الكاظم{ع} ، لذا نقل الإمام إلى عهدة الفضل بن يحيى بن الربيع .. وأمره أن يضيق عليه فلم يفعل ، ثم أمره أن يقتله فامتنع ، فغضب عليه وعاقبه بالجلد وأبعاده فتوسط له أبوه يحيى وضمن لهارون أن ينفذ أمره بقتل الإمام ،وجاء أبوه يحيى من الرقة إلى بغداد على البريد أي الخيل السريعة  ، ونفذ أمر هارون ، ودبر قتل الإمام

  ثم قام أبوه الربيع بالتوسط عند هارون لإعفائه....فأرسل هارون خادما اسمه مسرور ، أن يتعرف على أحوال الإمام في سجنه وان صحت المعلومات انه يوسع عليه ، فيحوله لسجن السندي بن شاهك..

لماذا غضب هارون على وزيره الفضل بن يحيى ...؟؟:.. كان هارون يرى أن تعاطف وزيره الفضل بن يحيى مع الإمام الكاظم{ع} وامتناعه عن تنفيذ أمره في التضييق عليه ثم قتله ، أمر خطير ، بل خيانة عظمى للنظام العباسي وشخص الخليفة ! وذلك بعكس مخالفة ابن عمه والي البصرة وبعكس مخالفة غلامه الفضل بن الربيع ! ثم أن البرامكة بنفوذهم في الدولة ، بإمكانهم أن يقوموا بانقلاب ويقتلوا هاروناً ، ويبايعوا لموسى بن جعفر{ع} ولهم قيادات في الدولة ، فلو قتل صاحبهم يثورون ويعينون خليفة عباسي ، أو علوي !... النقطة الثانية التي يطمئن لها هارون إن البرامكة كانوا أعداء لدودين للإمام موسى بن جعفر{ع}  وما زالا يحركان هارون ضده ويعملان لقتله !ولا ننسى أن هارون شقيق الفضل بالرضاعة  لأنه نشأ  في بيت يحيى البرمكي، وكان هارون يخاطب يحيى بن خالد: يا أبت، ويخاطب ولده الفضل: يا أخي».  ولكن حين عصى أمره بالتضييق على الإمام موسى بن جعفر عزله وعاقبه بالجلد والإبعاد ..ولم تشفع له مكانته السياسية وتاريخه وكل أعماله التي قام بها للعباسيين ..!!

السؤال هنا: لماذا رفض الفضل بن يحيى البرمكي أمر هارون بالتضييق على الإمام الكاظم{ع} ولم يقم بقتله  وهل كان غضب هارون عليه بسبب ذلك ؟...الجواب: أنه لاتفسير لمخالفة الفضل لهارون ، إلا أنه رأى كرامات الإمام{ع} فتشيع أو لم يتشيع لكنه تحرَّج من تنفيذ أمر هارون ، وتحمل أن يُعَرِّض نفسه لغضبه !بدليل أن الفضل ترك شرب الخمر مع هارون ، توبةً ولأنه ينقص من مروءته ! فبعد سجن الكاظم{ع} في بيته ترك الشرب واللهو فعتب عليه هارون لعدم حضوره ليلاَ وتركه الشرب معه ، فكان الفضل يقول: لو علمت أن الماء ينقص من مروءتي ما شربته » ! ... اذن حدث هنا تحول مهم في حركة تاريخ السياسة العباسية .. ولا يستبعد القول إن سبب نقمة هارون على البرامكة، أنهم فكروا بانقلاب على العباسيين لمصلحة العلويين ، أو أنهم تعاطفوا مع الإمام الكاظم{ع} في أواخر أيام سجنه ... ولكن هذا الراي لا ينهض لوجود حوادث تعارض هذا الموقف ان البرامكة يتشيعون بل هم يحبون انفسهم فقط ويحاربون اهل البيت{ع} ..

وقد روت مصادرنا  ان يحيى بن خالد البرمكي سعى لقتل الإمام الكاظم {ع} عند هارون ، وتوظيفه بعض الهاشميين استقدامهم ليشهدوا عليه عند هارون !... ثم موقف الإمام الرضا {ع}  في عرفات يدعو عليهم  لأنهم سعوا في قتل أبيه، قال {ع} « إني كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي ، فاستجاب الله لي اليوم فيهم! بعد عرفه لم يلبث إلا يسيراً حتى بطش بهم هارون ، وتغيرت أحوالهم» ..

إذن الذي سعى بقتل الإمام الكاظم {ع} هو جعفر البرمكي دون أخيه  الفضل الذي يميل للإمام ويعتقد بأنه ولي ، أو إمام ! كما يظهر أن جعفرالبرمكي كان أحب إلى هارون من أخيه الفضل ، لأنه أخذ الوزارة والخاتم من الفضل وأعطاه لجعفر ، ولم يكن أحد يجسر أن يرد على جعفر قولا ولا رأياً »

 

 

 

من هو السندي بن شاهك :.. شغله رئيس شرطة هارون .. أما أصله يقولون انه يهوديا ، هذا غير دقيق ، فهو من أبناء اللقطاء الذين تم شراءهم من اليمامة .. وهو حاجب لجد هارون .. أبو جعفر المنصور من وقت شراءه صغيرا لا أب له ولا عشيرة ..وقد منح المنصور أبناء الزنا بعض الوظائف المهمة .. مثلا جعل حاجبيه الربيع والسندي بن شاهك مع فرق بينهما أن الربيع شرطي سياسي يحتاج إلى فهم اجتماعي ولباقة ولياقة وعلاقات مع الكبار  ، بينما السندي شرطي عسكري يحتاج إلى شدة في تنفيذ أوامر الخليفة بقسوة بدون رحمة  حتى لو كانت على أقارب الخليفة وأولاده ووزرائه !

   وهو لقيط عرف باسم أمه السندية شاهك:فسمي السندي بن شاهك ،جيء بها من سبي وكانت سندية تقدم الخمر على موائد شهريار ، وهي أم السندي بن شاهك ولا يعرف احد أباه لحد اليوم .. لذلك عرف بنسبته إلى أمه وليس إلى أب ! ورباه المنصور تربية عباسية غليظة فكان السندي يتعجب من تفضيل المأمون علياً {ع} على العباس ، فقال للفضل بن الربيع: «ما ظننت أني أعيش حتى أسمع عباسياً يقول هذا! فقال الفضل له: تعجب من هذا ، هذا والله كان قول أبيه قبله» ! فتصور كيف كانت الدعاية ضد ال بيت علي{ع} في تذكرة ابن حمدون:2ج2 أن السندي «أحضر رجلاً ادعيَ عليه الرفض فقال له: ما تقول في أبي بكر؟ فأثنى عليه ، قال: فعمر؟ قال: لا أحبه ، فاخترط السندي سيفه وقال: لمَ ويلك ؟ قال : لأنه جعل الشورى في ستة من المهاجرين وأخرج العباس منهم ، فعاد سيفه ورضي عنه » ! وكان السند بن شاهك يكلف بالمهمات التي تحتاج إلى قمع وقسوة .. وهو الذي تولى قتل جميع البرامكة بأمر هارون لهذا السبب أمر نقل سجن الإمام الكاظم{ع} من الفضل بن يحيى إلى السندي بن شاهك ، لأنه أشد وأقسى ، وخالف بذلك العرف السياسي بأن تسجن الشخصيات القرشية والهاشمية عند وزراء الخليفة وشخصيات دولته ، فقد حبس الإمام الكاظم (عليه السلام) أولاً عند عمه عيسى بن جعفر والي البصرة ، ثم عند وزيره الفضل بن الربيع ، ثم عند وزيره الفضل بن يحيى ، فتأثموا أن يقتلوه فأمر بحبسه عند السندي بن شاهك الشرطي القاسي ، وأمره أن يقتله !وبعد قتل الإمام {ع} أعطى هارون للسندي جائزة فجعله والي دمشق !قال المؤرخ البغدادي فحبسه عند السندي بن شاهك ، وكان هارون بالرقة فأمر بقتله ، فدس له السم فبقي ثلاثا ثم فارقت روحه الطاهرة ...