كاظم الغيظ (ع) من سجنه يتحدى الحكام... بقلم: خضير العواد

 

 

 

 

 

 

 

لقد عاش الإمام الكاظم (ع) في أصعب فترة يمر بها التشيع من ناحية أجرام الحكام الذين حكموا تلك الفترة أو إنتشار الأفكار المنحرفة بعد وفاة الإمام الصادق (ع) كألخطابية والفطحية والإسماعيلية بالإضافة للزيدية , لقد واجه الإمام الكاظم (ع) كلا الفريقين الحكم الظالم والفكر المنحرف وكانت المواجهات مستمرة رغم أختلاف الظروف , فقد واصل الإمام (ع) الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها الإمام الصادق (ع) فعمل الإمام الكاظم (ع)على أحتواء هذه المدرسة وإحتواء رجالها وكان يأمرهم بتدوين العلم وبثه مابين الناس من أجل رفع ثقافتهم الإسلامية لمواجهة سياسات بني العباس البعيدة عن الإسلام وتعاليمه , وقام بأنقاذ العوائل الهاشمية والشيعية المتضررة من سياسة بني العباس فكان الإمام يرسل لهم المساعدات المادية لكيلا يفقدوا دينهم تحت ضغط الظالمين وكان يحمل الطعام الى الفقراء ليلاً , وعمل الإمام الكاظم (ع) على تصحيح المسار العقائدي في ألإسلام فكان يناظر الملحدين والمنحرفين كالمجسمة الذين يعتقدون أن ألله جسم وبقية الفرق المنحرفة في موضوع الإمامة وغيرها من الإنحرافات . فقد واجه حكام زمانه وكانوا يتهيبون منه فمثلاً ذات يوم كان المهدي العباسي يرد المظام فقال الإمام (ع) ما بال مظلمتنا لا ترد فقال المهدي العباسي وماذاك يا أبا الحسن فقال الإمام (ع) (إن ألله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل إلله على نبيه أن أدفع فدك الى فاطمة الزهراء (ع) فلم يزل وكلاء فاطمة (ع) فيها في حياة الرسول (ص) فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأخذها منها غصباً , المهدي العباسي يا أبا الحسن حدها لي ؟ الإمام (ع) (حد من أحد وحد منها عريش مصر وحد منها سيف البحر وحد منها دومة الجندل ) , المهدي كل هذا ؟ الإمام (ع) ( نعم هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول ألله (ص) بخيل ولا ركاب ), المهدي كثير سوف أنظر فيه .

وبسبب الظلم الذي أستشرى على الناس وحياة البذخ والسهرات الماجنة والإغداق على أهل الطرب واللهو فقد ثار العلويون وشيعتهم بقيادة الحسين بن علي على الخليفة العباسي موسى الهادي وألتقوا مع جيشه في واقعة فخ الأليمة وقد فشلت الثورة وأستشهد قائدها وأخذت أخته زينب والبقية الباقي من الثوار ومؤيديهم أسرى الى الخليفة العباسي وعاملهم أسؤ من معاملة بني أمية بأسرى كربلاء , كان موقف الإمام الكاظم(ع) من ثورة فخ إيجابياً فأنه بشر صاحب الثورة الحسين بن علي بالشهادة وأوصاه بالقوة والصبر قائلاً له (أنك مقتول فأحد الضراب فإن القوم فساق ....) , ولم يترك الإمام الكاظم (ع) أي فرصة لتبيان حقيقة أبتعاد بني العباس عن الحق إلا وأستغلها فذات يوم أُدخلَ الإمام (ع) على هارون , قال له هارون ماهذه الدار ؟ فقال الإمام (ع) ( هذه دار الفاسقين قال ألله (سأصرف عن أياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)) هارون فدار من هذه ؟ الإمام (ع) ( هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة ) هارون فما بال صاحب الدار لايأخذها ؟ الإمام (ع) (أُخذت عامرة ولايأخذها إلا معمورة) هارون فأين شيعتك ؟ الإمام (ع) قال ألله ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة.....) هارون فنحن كفار ؟ الإمام (ع) (لا ولكن كما قال ألله ( الذين بدلوا نعمة ألله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) فغضب هارون وتعجب من جرأة وشجاعة الإمام الكاظم (ع) , فقد واجه الإمام الكاظم (ع) الحكومات الظالمة بصورة مباشرة تارةً وبصورة غير مباشرة تارةً أخرى وقد حاول على إضعاف هذه الحكومات من خلال إبعاد الناس عن العمل وتحذيرهم منهم حيث جاء رجل الى الإمام (ع) وقال له إني خياط أخيط ثياباً لهؤلاء العباسيين فهل تراني من أعوان الظلمة ؟ فقال الإمام (ع) (إن الذي يبيعك الخيوط والإبر من أعوان الظلمة وأما أنت فمن الظلمة أنفسهم ) وفي رواية ثانية تصب في نفس المعنى جاء رجل للإمام (ع) قال له لقد أستأجر هارون بعض جمالي لقوافل الحج فهل في أمواله شئ من الحرام ؟ فقال الإمام الكاظم (ع) لاتؤجره جمالك فإنك تحبه فقال الرجل لا أبداً لا أحبه فقال الإمام (ع) ألا ترجوا في نفسك أن يعيش هارون حتى ترجع جمالك ويعطيك أجرتك ) قال نعم قال الإمام (ع) فأنت إذن معهم ومنهم , فماأعظم الفساد والظلم الذي فعله بني العباس بالأمة الإسلامية حيث المتعاونين معهم من الحرفيين يكونون ظلمة مثلهم وهذا ترجمته هذه المقولة لم تفعل أمية عشر معشار ما فعلت بنو العباس , أما العقائد المنحرفة فقد تصدى لها الإمام الكاظم (ع) وبين إنحرافها بالطرق الواضحة والأدلة التي لايشوبها الغموض , فقد سئل أبو حنيفة الإمام الكاظم (ع) ممن المعصية؟ فقال الإمام (ع) (يا شيخ لا تخلوا من ثلاث 1- من ألله وليس من العبد شئ فاذا كان كذلك فليس لله أن يعاقب العبد على أمر لم يفعله 2- من العبدومن ألله معاً ولكن ألله أقوى الشريكين إذ قوته أقوى من قوة العبد فليس للشريك الأكبر أن يعاقب الشريك الأصغر بذنبه مع أن حصته أكبر وتأثيره أقوى 3- من العبد وليس من ألله شئ ,فأن شاء غفر وأن شاء عاقب ) فقال أبو حنيفة أصبت فقام أبو حنيفة والعجب ماخذ منه مأخذا من هذا الجواب العظيم الذي لا يقبل النقاش , لقد حاول خلفاء بني العباس أبعاد الأُمة عن أمامها لكي تبقى في حيرةٍ من أمرها وتتخبط بالعقائد الفاسدة التي أنتشرت في ذلك الزمان ولكنه عليه السلام حتى السجون لم تبعده عن الأمة بالرغم من أبتعاد الأمة عنه فكان علمه يبين الحقائق لكل من يريد الهداية والصلاح وحتى الذين لايريدون الحق فأنه يحتج به عليهم , ففي أحد سجون هارون العباسي أراد أبو يوسف القاضي ومحمد أبن الحسن صاحبا أبي حنيفة أن يمتحنا ألإمام الكاظم (ع) فدخلا عليه فجلسا وقبل أن يتكلما جاءه السجان الموكل به فقال للإمام (ع) إن نوبتي قد أنقضت وأنا على أنصراف فأن كان عندك حاجة أمرتني بها حتى أتيك بها فيما بعد فقال الإمام (ع)  مالي حاجة أنصرف فلما خرج قال الإمام (ع) لأبي يوسف ما أعجب من هذا يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع بها وهو ميت هذه الليلة فقام ابو يوسف وصاحبه وقال جئنا نسأله بالفرض والسنة وهو الأن يحدثنا عن علم الغيب ثم بعثا برجل خلف السجان ليتأكد من صحة كلام الإمام (ع) وفعلاً مات السجان في تلك الليلة فعاد أبو يوسف الى الإمام (ع) فسئله من أين علمت أنه سيموت فقال ألإمام الكاظم (ع) ( من الباب الذي أخبر بعلمه رسول ألله علي بن أبي طالب ) .

لقد حاول الخلفاء العباسيين التضيق على الإمام (ع) بشتى الطرق ولم يتركوا عملاً أو فعلاً أعتقدوا بأنه يوصلهم لحاجتهم إلا وفعلوه وبالمقابل لم يترك الإمام (ع) أي وسيلة لتوقض الأمة من غفوتها إلا وأستعملها , لهذا لم يرى بني العباس إلا السجن الوسيلة الوحيدة التي توقف حركة الإمام (ع) ونشاطه ولكن هيهات هيهات للسجون أن تحجب النور الساطع وللظلمة أن تمنع من ألأتصال بألله سبحانه وتعالى ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ) فنورهم يملئ الأرض ومبتغاهم عبادة إلله , فوجد هارون العباسي إن وسيلة السجن لم تفي بالغرض لأن أثار الإمام (ع) في كل مكان لهذا دس له السم ومات الإمام الكاظم (ع) شهيداً مسموما في 25 رجب عام 183 هجري فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا .