التناكح والتناطح!!

 

 

هل نحن مجتمعات متناكحة أم متناطحة؟!!

التناكح يعني التفاعل وإختلاط الصفات الجينية وإنتاج مخلوق آخر , جامع لما يحمله المتناكحون من طاقات وقدرات ومواصفات شكلية وجوهرية , وفي التناكح يتأكد الإرتباط والإنتماء والتواصل والتفاعل المحافظ على مصلحة المتناكحين.

فالتناكح يؤدي إلى تداخل الأشياء بالأشياء , والسائد في التناكح أن يكون ما بين حالتين مختلفتين , لصناعة التوازن المطلوب , أو الإختلاف اللازم لتأسيس حالة ذات طاقات بقائية أقوى , تحافظ على تواصل المتناكحين عبر الأجيال , وتوافقا مع متغيرات المكان والزمان.

والتناطح سلوك إنقراضي وعدواني , يتحقق في فترات التناكح عند الحيوانات , حيث تتقاتل الذكور , والذي ينتصر فيها ويقتل أو يهزم الآخرين , هو الذي يفوز في بذر موروثاته الجينية في العديد من أناث نوعه , وفي هذا إرادة بقائية لإنتاج الأجيال القادرة على المواكبة والتفاعل مع معطيات الظروف المحيطية المتبدلة.

وما أكثر التناطح في غاب المملكة الحيوانية!

وما أكثر النطائح في مجتمعات المآسي والتداعيات اليومية.

بينما المجتمعات المتقدمة علينا , تجاوزت التناكح المتعارف عليه , وبمعناه الفسيولوجي والجنسي , أو كما نفسره أن يطأها , أو يدخل بها , أو يواقعها وغير ذلك من التسميات التي نتميز بإجادتها.

إذ أصبح عندها التناكح ما بين العقول والأفكار , لإستيلادها أفكارا ورؤى وتصورات وقدرات إدراكية ومعرفية , وإبتكارية ذات قيمة إقتصادية وسلوكية , تؤمّن القوة والرجاح والإقتدار في ميادين الحياة المطلوبة.

فأفكارهم تتناكح , وتتخلّق , وبذلك فأنهم يتبصرون , ويتعقلون , ويبدعون آليات التواصل مع حاضرهم ومستقبلهم وبسبق حضاري أصيل.

أما في مجتمعاتنا , فأننا لا نعرف آليات ومهارات تناكح العقول والأفكار , وإنما نجيد تماما , كيفيات التناطح , ولا نفهم في التناكح أبدا.

ومَن يتصور بأننا مجتمعات متناكحة , إنما يعيش في وهمٍ عظيم.

وأدق ما نوصف به , أننا مجتمعات متناطحة , فلا فرق بين سلوكنا , وسلوك الأكباش التي تتناطح وسط قطيع من النعاج.

ومَن يتأمل واقعنا بصورة عامة يجده , عبارة عن مناطحات ما بين جميع الذكور , بل وما بين الإناث والإناث.

فعن أية مناكحات نحن نتحدث؟

عن مناكحات الجهل بالجهل , أم عن منكحات المدعين معرفة بالدين؟

يا ليتنا مجتمعات متناكحة حقا!

لكن واقعنا الأليم يشير بوضوح , إلى أن كل ما فيه يتناطح , وبعنفوان وضراوة متزايدة.

أفكارنا تتناطح!

أقلامنا تتناطح!

أحزابنا تتناطح!

مذاهبنا تتناطح!

رموز السلطة لا تعرف إلا التناطح والتناطح!

ألا كانت مجتمعاتنا متناكحة فحققت وجودها الحضاري , وعندما تحولت إلى مجتمعات متناطحة ,  ضعفت وتمزّقت , وصارت فريسة سهلة لجميع الطامعين الناكحين.

وما يجري في مجتمعاتنا اليوم , هو تدمير لسلوك التناكح ما بين الحالات المتنوعة , وتحويلها إلا موجودات متناطحة , ونحن جميعا نتحول إلى نطائح في حلبات المتناطحين المنصوبة في كل شارع وحارة وزقاق , والذين يتفرجون علينا , هم المتلذذون بلحم النطائح الشهي , المطبوخ بنيران هرمونات الصراع الشديد جدا!

فيا ليتنا نتناكح لا أن نتناطح لكي نكون!!

فتناكحوا بعقولكم ونفوسكم وسلوككم إن كنتم مؤمنين صادقين!!