"رُسوخُ عقولنا في الْعلم نورٌ يُضيئ دروبَنا في قَرنِ أدْجى"
الأمم لا تكون من غير عقول راسخة في العلم. والمجتمعات التي لا تنتج عقولا راسخة في شؤون الحياة , لا يمكنها أن تذوق طعم المعاصرة , وتتعلم مهارات المواكبة والتفاعل الحضاري البديع. وقد ذكر القرآن الكريم عبارة الراسخون في العلم , لكننا تجاهلنا معناها ودورها , وكأننا لا نعرف من الفرقان إلا رسمه. "...وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم..."آل عمران 7 ""...لكن الراسخون في العلم ..." النساء 162
تأملت هذه العبارة الحضارية التي نادت بها إحدى الجمعيات العلمية العربية , وأدركت بأن الأمة بخير لأنها تكشف ذاتها , وتسعى للتعبير عن حقيقتها الحضارية المعرفية والإنسانية والروحية , برغم المصدات والمعوقات والإختراقات والتحديات وغيرها من أفانين المداهمات. فكيف يكون الإنسان راسخا في العلم؟ الرسوخ من رسخ الشيئ يرسخ رسوخا: ثبت في موضعه. والراسخ في العلم: الذي دخل فيه دخولا ثابتا. وكل ثابت راسخ. ومنه الراسخون في العلم. والراسخ في العلم: البعيد العلم. وأرسخه: أثبته.
ولكي تكون صاحب عقلٍ راسخ في الحالة التي تتناولها , عليك أن تثابر وتتواصل وتتمسك وتمعن في الإبحار المعرفي والإدراكي , حتى تدخل في آفاق التجليات الإدراكية العلوية , اللازمة لإستحضار الأفكار الفاعلة في صناعة مسارات الحياة المتصلة بالحالة , التي رسخ العقل فيها وأدرك ما فيها , من عناصر ومفردات ومعادلات وتفاعلات , وقدرات خلق وتوليد ومنطلقات صيرورة ونماء وارتقاء. والراسخون في العلم هم الذين تسلقوا بجهدهم وعنائهم وصبرهم , مقامات جديدة ذات أنوار فائقة , وتأثيرات ساطعة , يمكنها أن تنير دروب الحياة للأجيال المتواكبة , في سكة التواصل والترافد البقائي المتحقق في كوكبنا الدوار. ولكي تصنع ما تريد عليك أن تنقطع عمّا تريد!! فالذي يصنع معالم وجودنا الدنيوي ينقطع عن الدنيا , ويرسخ في فكرة الصناعة والإبتكار وتحقيق حالة التغيير الدائب المتوافق مع إرادة الدوران. ومعظم الذين غيّروا الدنيا كانوا منقطعين عنها , والذين حققوا إنتقالات نوعية ووثبات حضارية, كانوا في غيبوبة عن الدنيا , ومنشغلين في صناعتها وإعادة تركيب عناصرها. فالرسوخ يتواءم مع الإنقطاع , والإنقطاع يؤدي إلى الإنبعاث والتجدد , وكأنه عبارة عن إندساس في شرنقة التخلق والنماء والتولد الخلاق. والرسوخ بالعلم يؤدي إلى ولادات متميزة أو جديدة أو أصيلة لم تتحقق من قبل. وجميع المتولدات الفاعلات في عصرنا , إنما هي من رحم الذين رسخوا في العلم حتى قطفوا أثمار الرسوخ. فالرسوخ العلمي يعني الإنجاب والتجدد والتقدم الوثاب , وهو طاقة إبداعية خلاقة ذات مديات وآفاق مطلقة , متفاعلة مع فضاءات الصيرورات الإبداعية المتنامية. فالدعوة إلى الرسوخ في العلم , ثورة حضارية تستحق منا التعبير عنها بأفعالنا وتفاعلاتنا وما تكتبه أقلامنا. فالأمة التي يرسخ عدد من أبنائها في العلم , تمتلك قدرات صناعة الحياة الأرقى! فهل سنرسخ في العلم حتى نكون؟!!
|