ما معنى علي معجزة ؟... بقلم المفكر الاسلامي حسن بن فرحان المالكي

 

 

 

 

 

 

طلب مني بعض الناس تفسير قول الواقدي ( كان علي بن أبي طالب معجزة النبي) وهذا القول له معنى صحيح وخلاصته ما يلي: أن أبناءك يعرفون من عيوبك أكثر مما يعرف أصدقاؤك والأبعدون وبما أن الإمام علي كان ذروة في العلم والتقوى والزهد والعدل وحب النبي الخ ... فمعنى هذا أن الإمام رأى من جلال رسول الله وسمو خلقه وصدقه وسيرته ما جعل هذا الإمام يهتز إذا ذكر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله , فإيمان الإمام علي القوي بالنبوة، وشدة حبه وتعظيمه للنبي ، يؤكد أن ما تيقنه الأقرب المخالط كان أكبر مما عرفه الأبعد، وهذا عكس طبيعة الخلق.
فأبناؤنا والمقربون يعرفون من عيوبنا أكثر مما يعرف الأبعدون إلا النبي صلوات الله عليه وهذا ناموس الأنبياء أنك كلما اقتربت منهم جذبوك أكثر , ولي تفسير آخر لكلمة الواقدي وهو أن تفجر الإمام علي علماً وحكمة وفصاحة وذكاء ( وهو تربية النبي وحده تقريباً) دليل على تربية نبوة.
ولذلك عندما يصل الإمام علي للخلافة ثم يحرم نفسه من اجتماع إدامين (كالزيت والملح)ولا يجمعهما، فالملح عنده إدام، فماذا يعني؟ يعني اليقين ... يعني اليقين بهذه النبوة وبرر الإمام علي فعله بأن الله أخذ على أئمة العدل أن يكونوا كأدنى الناس طعاماً والسؤال: من أين أتت هذه المعاني؟
لن تأتي هذه المعاني إلا من نبوة فالأنبياء سيرتهم واحدة في الزهد، في الغنى والفقر، قد أخلصوا أنفسهم لله، فاستخلصهم، وألزموا أنفسهم الزهد أما غير الأنبياء من سائر المحتالين فقد يتظاهرون بالزهد، ثم لما تنفتح عليهم الدنيا يقعون في الثراء وهذا ما لم يفعله النبي ولا الإمام علي .. صحيح أن الزهد في بعض الصحابة والتابعين والأمة أيضاً لكن زهد الإمام علي وتقواه كان له منهج خاص، هو يعلل بعلل علمية أجمل من الزهد نفسه.
والإمام علي هو القائل (ما جاع فقير إلا بما متع به غني) هذه العبارة فيها خلاصة سنة الله ومعنى( ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)! ... نعم فالله قد أعطى كل بني آدم أرزاقهم في الدنيا , ولكن استولى بعض الخلق على أرزاق آخرين , ومن واجب الآخرين أن يطالبوا بحقوقهم من هذه الأرزاق.
مثلما تترك لعائلتك عشرة آلاف عندما تسافر وهذه العشرة آلاف تكفيهم فأنت قد أديت الواجب عليك وبقي على العائلة واجب حفظ هذا المال ورعايته , فإذا فرطت العائلة في المال وأعطته أحدهم ثم ذهب يبذره فالذنب ذنبها لا ذنبك لا سيما وأنك قد أخبرتهم بطريقة صرف هذا المال لكن العائلة عصتك ..
كان الإمام علي مكتملاً وما أن تبحر في صفة من صفاته حتى تظن أنها الأبرز علماً وشجاعة وقرباً ونسباً وزهداً ومروءة وشهامة وصبراً الخ... كان حجة مكتملة ليس لأحد عذر في الانحراف عنه لا من الزهاد ولا أهل العصبية ولا العلماء ولا العارفين ولا أهل المروءة والأخلاق ولا المستضعفين .
لذلك لا يحبه إلا مؤمن شريف ولا يبغضه إلا منافق لئيم وقد حماه الله من حب كل لئيم ومنافق, كما حمى رسوله من قبل, كما سياتي البيان.
فالذين يحبون النبي من أهل العصبية من قريش يحبونه لأنهم يظنونه صاحب عصبية لقريش والذين يحبونه من أهل العنف يظنونه صاحب عنف فهم لا يحبونه
لأن أهل العنف والغلو مثلاً .. لو عرفوا أنه ليس بصاحب عنف لما أحبوه لكنهم ارتضوا ما وضعه أهل العنف في سيرته فأحبوه لظنهم عنفه وعلى هذا فقس , فالنبي الحق بكامل صفاته التي منحه الله إياها لا يحبه أهل الغلو ولا اللؤم ولا العصبية ولا الكبر ولا الفخر ولا العنصرية ...الخ ...
لو عرفوا أنه ضد هذه الأمور لما عرفوه فالمنافقون من قريش مثلاً ( أو النواصب كمحب الدين الخطيب) يحبه لأنه يظن أنه يحب بني أمية مثلاً! لكن لو اكتشف محب الدين الخطيب أنه مات وهو يبغض بني أمية وأنه قد ذمهم في أحاديث كثيرة لما أحبه فالله يحمي نبيه كما هو - من حب من لا يستحق .
وكذلك الإمام علي قد يحبه بعض النواصب من جهة ويبغضونه من جهات قد يحبونه لظنهم أنه يحب معاوية مثلاً فيبقون له بعض الفضل لهذا السبب!.. مثلما يحبون الحسن لظنهم أنه بايع معاوية وأحبه وارتضى حكمه مختاراً وأنه يذم سيرة أبيه ..الخ.... هم يظنون هذا لروايات وضعها أسلافهم فأحبوه لهذا , ولو علموا رأي الحسن في معاوية , وأنه لما خذله أكثر الناس تركهم لمعاوية وتركه لهم , إملاء له وتمحيصاً لهم وابتلاء للفريقين... لما أحبوه.
وكذلك بعض النواصب يحبون الحسين من جهة وهو ظنهم أنه في آخر ألأمر أراد البيعة ليزيد ورضيه خليفة! ولو علموا كذب هذه الرواية لما أحبوه! فلذلك قد يلعنون يزيد ويترحمون على الحسين ويغتر بهم من لم يدقق غافلاً عن أسباب هذا الحب، فهم كانوا يتمنون أن يرونه مبايعاً ليزيد! فهم يلعنون قتلته لأنهم حرموهم من هذا المنظر المفرح لهم لو حصل! وحتى يجتمع كل الناس على يزيد! وليس لعنهم لقتلته إلا من هذا الباب فافهموا!... إذن فالذين يحبون النبي أو الإمام علي أو الحسن والجسين من المنافقين وأهل الريب واللؤم إنما يحبونهم لأنهم يظنون فيهم أهواءهم! .... فافهموا ! ... حتى الله عز وجل قد حمى نفسه من محبة أهل اللؤم والنفاق والكذب وهم إنما يحبونه لأنهم يظنون أنه أعطى الأمر لبني أمية وقدره برضا! ولو علموا أنه إنما اعطاهم كما أعطى فرعون وأملى لهم ( ليزدادوا إثماً مع إثمهم) لما أحبوا الله.
ويحبونه لأنهم يظنون أنه نصر هؤلاء الظالمين إذن فحب أهل اللؤم والنفاق ليس للشيء كما هو وإنما للشيء المتوهم يحبون ما يتوهمونه من الله ورسوله وأهل البيت والقرآن والحديث الخ....
وعلى هذا فالله قد حمى نفسه ونبيه وأولياءه وكتابه من حبهم حقيقة! وإنما يحبهم المنافقون توهماً بأنهم على عقائدهم! فافهموا السر!
وهذه الأسرار الدقيقة من اللطائف التي لن تجدونها إلا نادراً , فحاولوا أن تتفهموها , وستحل لكم كثيراً من الإشكالات التي كنتم تجهلون أسرارها!