دك البوق

 

وهذا يضرب للرجل يلهي الآخرين ويصبرهم وهم في شدة، خوفا من وخامة العاقبة وحذرا من سوء المنقلب، واصله ان سفينة من سفن العصمنلي كانت تحمل البغال من اسطنبول الى البصرة، وفي يوم ما والسفينة في عرض البحر، نفد علف البغال، وكانت البغال تسمع البوق عند توزيع العلف يوميا فتعرف وقت الطعام، ولما احست الحيوانات بالجوع ، هاجت واخذت تضرب قاع السفينة الخشبي بحوافرها ثائرة متمردة، فكان الجميع في خطر، فهرع الضابط المسؤول الى القبطان واخبره جلية الامر وخطورته، فقال القبطان: ( دك البوق)، فضرب الضابط بالبوق فهدأت الحيوانات، وبعد مدة تحركت ثانية فصاح القبطان: ( ولك دك البوق)، وهكذا حتى وصلت السفينة الى البصرة، امس الاول، عمار الحكيم دك البوق باجتماع رؤساء الكتل في مكتبه او بيته، وبدأ مشوار بوس عمك بوس خالك، وكأننا دفعنا الشباب وحصدنا المفخخات لاختلاف النجيفي والمالكي، وهذا ياسماحة السيد من شأنه ان يجعلنا نتهم جميع المدعووين بانهم خلف جراحنا وموتنا السريع، ماذا تقول للناس الذين فقدوا احباءهم، ان القتلة اجتمعوا ليمسحوا الدماء من الازقة والشوارع، ام ان المفخخات كانت تصنع في مكتب النجيفي ومن لف لفه وسوف تهدأ هذه الحمى بعناق بارد بين رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء، وماذا سيتصور الناس ايها السيد المبجل انك عراب قتلهم  وسلامتهم، جميع هذه الاسئلة ستطرح عاجلا ام آجلا عليك وعلى المالكي والنجيفي وعلى الوجوه الصفراء التي حضرت لتصور ان شهداء العراق قتلوا مع سبق الاصرار والترصد.
ان البوق الذي عزف عليه عمار الحكيم بالامس ليهدأ الناس هو بوق مشروخ لا اعتقد انه سيهدّىء احدا، او يلغي الثورة التي تعتمل في صدور المساكين لفقدهم احباءهم واعزاءهم، وبعد هذا يارئيس الوزراء انت مطالب بكشف جميع الاوراق وجلب الجاني لذوي الضحايا، اليس هذا هو العدل؟، ام ان العدل ان يتعانق الجاني والمجني عليه وينتهي الامر!، هذا الكلام ربما يصلح للبغال، اما الشعب العراقي فانه سيقاضي جميع السياسيين على دمائه وعلى النزيف والخوف الذي اعتراه بعشرات المفخخات؛ انها مهزلة كبيرة ان يكتشف الشعب ان عناق المالكي والنجيفي هو نهاية للمفخخات، وهذا دليل قاطع على اجرام ووضاعة هؤلاء الساسة الذين استهتروا بدماء العراقيين، حتى الذين يدافعون عن النجيفي او المالكي لم يسلموا من اذى التفجيرات الحقيرة التي تقتل بلا تعيين، لتكون النتيجة يا اصدقائي جلسة شبيهة بجلسات العشائر وينتهي كل شيء ( جوه الفراش)؛ مأساة ان يعترف المجرم بجريمته ولايستطيع احد الاقتصاص منه، مأساة ان نرى الوجوه التي تلغ بدماء العراقيين تبتسم في جلسة ودية لحقن الدماء الآتية، مهزلة كبيرة ابطالها السياسيون وضحيتها الشعب المسكين الذي فرح لهذه المصالحة المشبوهة، الى اين يادولة الرئيس ستسير بالبلاد وانت تؤمر اول امراء الطوائف؟، الى اين وانت تريد الحفاظ على السنة الباقية من ولايتك بشتى الطرق؟، ولاتهمك الطرق، الى اين والناس يجزرون كالاغنام والبوق بايدي العرابين يعزفون عليه متى شاؤوا لتعود المياه الى مجاريها؟، اما الدماء فهي ضائعة ومهدورة، الناس البسطاء مقتنعون ان الذي حدث في بيت عمار الحكيم مصالحة سترفع عنهم بعض الموت، وانا مقتنع انها مؤامرة كبيرة ضد الشعب حين يصافح الجلاد الضحية، او يصافح الضحية الجلاد، مع العلم انهم جميعا متهمون ولن نبرّىء ساحة اي منهم لانهم قتلوا الشعب تحت مسميات كثيرة، قتلوه باسم الديمقراطية، وقتلوه باسم العملية السياسية، وقتلوه باسم العمليات الانتحارية، فالقاعدة والمليشيات هبطت من السماء ولا احد من السياسيين يعطيها اوامره؛ ربما اقتنعت البغال بالبوق حتى وصلت الى مواطن العلف، لكن الشعب لن يقتنع بهذا البوق ان كان بيد عمار الحكيم او المالكي او النجيفي  او اي واحد آخر، وستأتي الفرصة ليكون البوق بيد الشعب، وعندها تنقلب الآية وسيأمر الشعب ذاته ويقول : ( دك البوق) ساعة الحساب جاءت.