من سلطك علي يا مريم؟ أنا الهارب من رسائلكم، إلى أقاصي الأرض، لا الصمم اسكت أصواتكم، ولا يسأم بصري الكليل من استحضار أشباحكم، وحتى الخرف لئيم، لو حل سيستثني ذكركم. تعلمت أن الهروب ليس بقطع المسافات، ولا بعدد البحار الفاصلة، فأنتم قريبون، ولو كنتم على كوكب آخر، وحاضرون على أي حال، وإن كان بالأشلاء، أو الدماء، أو حتى بقع سوداء، على قارعة طريق، عجزت عن غسلها كل خراطيم المياه. مضت كل هذا السنين، تراكم في نفسي أحزانها، وتجتثت منها النزر من افراحها، حتى بلغ القلب أرذل عمره، فلا الفجيعة سرعت من نبضاته، ولا لا مست صورتك منه الشغاف. أنا كنت مثلك يوماً، طفلاً بريئاً، عيناي مثل عينيك، تضجان بالأسئلة، تتجاوز أبعاد المكان، وتقفز فوق الزمان، نحو الأفق الأبعد، تأففوا منها، لئلا تفضح خيباتهم، وتكشف عن أحلامهم المجهضة. وهذا رداءك الأحمر، وكنت أظنهم حرموه، أو منعوا استيراده، فهو يشحذ شر الحاسدين، ويغيض أهل السواد، بلد الحداد اللامنتهي. يا مريم ما لك والابتسام، والضحك عندنا أندر، وإن كان للملك النعمان يوم شؤم، فكل أيامنا أكدر، فكل ساع إلى رزقه مفقود، ولا الخانس في داره يسلم. عجيب أمركم، وكل أحيائكم نكرات مهملات، وحده الموت يعرف أسمائكم. نتصنع البراءة، نحن المسالمون العزل، وليس منا من أفتى بحي على القتال، لكن أرواحكم تزورني كل ليل، ترقد ما بين الجفون، بانتظار نهاية صمتي المريب. سأكسر الصمت لأقول، نعم كلنا مذنبون، وفي الخطيئة غارقون، وليس لدينا ما نعطيك يا مريم البريئة أفضل من البراءة منك.
|