عندما يتحول الدستور الكردي الى قميص عثمان!

 

 

 

 

 

 

مازلنا نحن الاكراد نحمدالله ونشكر فضله على النعماء التي تفضل بها علينا اذ لم يكن لدينا حتى وقت قريب اي شيء على ارض الواقع لا المال ولا السلطة ولا الاستثمارات ولا التجارة ولا العلاقات السياسية والدبلوماسية المتطورة مع الدول الغربية والشرقية وكنا لا نعرف ما هو الاقليم ولا الفدرالية ولا الاستفتاء ولا الانتخابات ونرى في وجود برلمان وحكومة منتخبتين مباشرة من الشعب ضربا من الخيال لا يمكن تحقيقه، ولكن فجأة تحول الحلم الى الحقيقة، واصبح الخيال واقعا نعيشه، واصبحنا نملك كل شيء بعد ان كنا لانملك اي شيء؛ بعد ان اقمنا دولة على ارض الواقع، فتحت دول العالم مكاتبها وقناصلها المعتمدة فيها ونشطت الحركة التجارة والسياسية مع تلك الدول حتى وصل حجم التبادل التجاري معها الى اكثر من 20 مليار دولار، بحسب"نوزادهادي"محافظ اربيل، وهذا المبلغ مهول جدا لا يمكن تصوره، اما من الناحية السياحية فبفضل الامن والامان المتوفرين في بلدنا وسط بحر من القلاقل والحروب والصراعات الدموية الدائرة حولنا، تقاطر الى مدننا المستقرة السياح بالالاف من كل حدب وصوب، مما وفرت لخزينة الحكومة مبالغ طائلة وصلت الى مليار ونصف المليار من الدولار في السنة، ومع تقاطر السياح تقاطرت كبرى الشركات النفطية الغربية الى كردستان من اجل استخراج النفط فيها.. هذا الوعي المجتمعي المتقدم والانجازات المثمرة الجميلة التي لم تكن بالحسبان، لم تعجب بغداد ابدا بل واثارت حفيظتها، فبدأت تحيك الدسائس والمؤامرات من اجل افشال تجربتها واعادتها الى الوراء، جربت كل ما تستطيع لضرب هذه النهضة العمرانية الناشئة، من التهديد بالقوة العسكرية الى استخدام الورقةالعنصرية واثارة النعرة الشوفينية وصولا الى محاربة الشركات النفطية والاستثمارات الاجنبية،لم تترك طريقة عدوانية الا وسلكتها من اجل اخضاع كردستان الى هيمنتها الاستعمارية الطائفية البغيضة..ومازالت هذه المؤامرات مستمرة ولم تنقطع.

 لم استذكر هذه المكاسب والانجازات التي توفرت لنا بقصد التباهي والتفاخر لا سامح الله ولكن لكي نقدر ما في ايدينا من نعم حق قدرها ولا نفرط فيها، ولا نسمح للاعداء المتربصين وهم كثر ان يصطادوا في الماء العكر، ويستفيدوا من خلافاتنا، وهي خلافات عبثية لا معنى لها، كتلك التي تجري اليوم بين السلطة والمعارضة السياسية حول الدستور الكردستاني الذي كتب عام 2005، ولم يعمل به منذ ذلك اليوم وظل مركونا في زاوية مهملة ولا احد يتذكره، لا السلطة ولا المعارضة، ولكن فجأة اصبح مثار خلاف بين السلطة وعلى رأسها رئيس الاقليم"مسعود بارزاني"الذي يصر على طرحه للاستفتاء الشعبي اولا قبل الرجوع الى البرلمان، لضمان استمراره في الحكم لولاية اخرى، بينما تصر المعارضة على طرحه على البرلمان باعتباره يمثل الشعب اولا لاجراء بعض التعديلات عليه، ومن ثم اقراره، لكي"لا ينحرف مسار الديمقراطية في كردستان"ويرى ايضا ان "بارزاني"قد "اكمل دورتين رئاسيتين متتاليتين ولا يحق له الترشح لدورة اخرى "فيما يرى الحزب الحاكم ان"بارزاني انتخب مرة واحدة عن طريق برلمان كوردستان والاخرى عبر استفتاء شعبي وبذلك يحق له الترشح لولاية جديدة"والجانبان فيما يبدو متمسكان برأيهما بقوة، وكليهما يستندان الى الدستور ويرفعانه بوجه الاخركـ"قميص عثمان"، حتى ولو كان ذلك يؤذي الشعب ويعرض تجربته للخطر، كان من الممكن للطرفين الوصول الى صيغة اتفاق مشتركة قبل تأزيم الحالة التي يراها بعض زعماء المعارضة بانها ستتحول الى حرب اهلية ان طرح الدستور على الاستفتاء"، ورغم اصرار الجانبين على موقفهما فمازال امامهما فرصة للاتفاق وذلك من خلال عقد اتفاقية استراتيجية بينهما على غرار الاتفاقية الاستراتيجية التي عقدت بين الحزبين الحاكمين"الديمقراطي الكردستاني "و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، لتوزيع المهام الادارية فيما بينهما وهي كفيلة بحل الازمة الراهنة..ان ما تجهله المعارضة الكردية ان الحالة السياسية الراهنة في كوردستان بكل اخفاقاتها ونجاحاتها هي من نتاج الاتفاق الاستراتيجي بين حزبي"بارزاني"و"طالباني"، ولا يمت الى الدستور بصلة، فمن خلال هذه الاتفاقية تم توزيع المناصب على الحزبين، ومن ضمنها"رئاسة الاقليم التي راحت الى"مسعود بارزاني"ورئاسة الجمهوريةالى"جلال طالباني.. وكفى الله المؤمنين شر القتال.

كلمة اخيرة
متى التزم الساسة الكرد بالدستور حتى يختلفوا عليه.