حين تلصق بأحدهم صفة ما، يقول الناس "وِشيعته انصبغت". والوِشيعة هي نتفة من الصوف أو مجموعة خيوط قبل غزلها، تمتاز عن بعضها بما يضاف لها من صبغة. فتجد وشيعة حمراء، وشيعة زرقاء، خضراء، صفراء.. الخ. والناس هكذا يصبحون مثل الوشايع حين يصطبغون بما يسري عليهم من صفات. بل يكون من الصعب التخلّص من هذه الصبغة اذا ثبتت في ذهن الآخرين، كما حصل للبدوي أبي متعب.
أبو متعب بدوي كريم جدا عُرف بكرمه بين العربان وذاع صيته. كان لا يمرّ عليه يوم دون ضيفٍ يكرمه ويحسن ضيافته. لكنه قرر في يوم من الأيام أن يهد بيت الضيافة ويطرد ضيفه لأنه لم يجد ما يكرمه به. فسأله متعب عن الأمر وما ستؤول اليه سمعتهم الحسنة عند الناس. فقال له: لا عليك بُنيّ فإن الناس لا يصدقون ما فعلتُه الليلة وسأثبت لك ذلك. تلثم أبو متعب وابنه وذهبا ليعترضا طريق الضيف المطرود توا. سألاه: أين كنت؟ قال: عند الشيخ أبي متعب أطال الله عمره. قالا: كيف رأيته؟ قال: كريما أيما كرم. عندها حسر أبو متعب لثامه وقال له: لماذا تكذب وقد طردتك ولم أسقِك حتى شربة ماء؟ فرد الرجل: ومن يصدق حكايتي وقد ذاع صيتك بين الناس، وسمع القاصي والداني عن جودك وكرمك؟! فنظر أبو متعب لولده وقال: ألم أقل لك أن وشيعتنا انصبغت ولا شيء يبدلها؟!
ولكن يبدو أن أبا متعب هذا كان محظوظا اذ اصطبغت وشيعته بلون حسن ولا خشية على سمعته. الخشية كل الخشية يا سادتي على وشيعتنا نحن التي بدأت تكتسب لونا قبيحا عند العالم. والخوف كل الخوف من إسهامنا بقصد أو دونه بجعلنا علكا "بحلگ الي يسوه والي ما يسوه" وهذا ما رأيته واقعا حين شاركت في اجتماعٍ للجالية العربية يوم أمس. كان اجتماعا تداوليا حول امكان افتتاح بيت ثقافي للعرب هنا. الى جانبي جلس شخص من فلسطين، ضخم الجثة أصلع، فخور بنفسه جدا يدعى أبو كنعان. سألني وهو يعبث بأنفه "كيفو العراء يسيدي؟" فأجبت بخير، فردّ ضاحكا "عن أي خير بتحكي يسيدي؟" عن الإحتلال أم عن التقسيم أم الحرب الطائفية؟ قلت له: لكن الأمريكان رحلوا والعراق الآن بلد مكتمل السيادة وليس محتلا، ولا يوجد تقسيم ولا حرب طائفية. يبدو أن أبا كنعان لا يتابع أخبار العراق، هكذا ظننت قبل أن يجيب: لا يا سيدي العراق بلد محتل من ايران، والأكراد اغتصبوا كوردستان وفصلوها عن العراق، والعراقيون يتقاتلون فيما بينهم، الشيعة يقتلون السنة والسنة يقتلون الشيعة، انت من أي عراق؟ عراق السنة أم عراق الشيعة؟ ثم أردف مبتهجا: إن العراق أفسد دولة في العالم وأوسخ بلد في المعمورة "يا اخي هايدا الحكي مش مني، انتو بتئولوا هيَك بالإعلام".. العراء انتهى وما عاد في عراء يسيدي). الى هنا انتهى كلام الشقيق المناضل أبي كنعان وتهيأت أنا لضرورة توضيح الأمور له، ولكني ما إن هممت بذلك حتى تذكرت أبا متعب وقوله لولده بأن الوشيعة انصبغت ولات حين مناص، فأمسكت لقلة حيلتي، وبقيت أنظر لأبي كنعان كيف يعبث بأنفه الكبير ويضع يده (بما تيسّر) على كتفي، متسائلا في نفسي هل ان وشيعتنا بكل هذا السوء فعلا، أم أن ماكنة الإعلام سخّمت وجوهنا ولطختها بأقبح الألوان؟! هل نحن عراقان كما يظن أشقاؤنا أم عراق واحد؟! هل هذه هي الحقيقة أم هي أزمة اختلقت لقرب موسم الانتخابات؟ الانتخابات التي لا يتمتع بها الكثير من هؤلاء الأشقاء؟! هل نكره بعضنا فعلا ونضع سلاحنا صوب صدورنا، أم هو برنامج تعبئة معد سلفا لا يعترف به السواد الأعظم من العراقيين؟! ثم هل نحن وسخون جدا وفاسدون جدا كما يعتقد (أبو طگعان)؟! نعم أنا أعتقد أن وشيعتنا صارت سودة مصخّمة وكلنا مسؤولون عن سواد وجوهنا بين الناس.. شيل ايدك ابو كنعان تَرَ مصّختها.