الأقلام والحكومات!!

 

الأقلام تزعزع أركان الحكومات في المجتمعات الديمقراطية , لأن الإعلام الحر , من أعمدة الديمقراطية الأساسية الكبرى.
ولا يمكن القول بوجود حكومات ديمقراطية من غير إعلام حر , وحكومات تقرأ وتتابع , وتحسب وتتحسب للمكتوب في وسائل الإعلام , لأنه يمثل هموم الشعب وإرادة المجتمع.
وإذا لم تتفاعل الحكومات مع الأقلام الحرة الواعية الوطنية المدركة , ذات الرؤية الإنسانية العلمية الواضحة بعين الجد والإعتبار , فأنها بعيدة عن الديمقراطية , ولا يليق بها إدعاء النظام الديمقراطي.
ففي مجتمعات الديمقراطية الصحيحة الواضحة , الأقلام تفعل فعلها , والصحافة تقوض أركان الحكومات وتسقطها.
وكم غيرت الأشخاص والحكومات وغيرها من الحالات , التي تصدت لها وكشفت عيوبها وقصورها , وتورطها بسلوكيات غير صالحة للوطن والمجتمع.
والأمثلة على ذلك كثيرة , فقد أسقطت الصحافة الرئيس الأمريكي نكسن , وأقصت الأحزاب عن الحكم في دول غربية عديدة.
وفي مجتمعاتنا التي تريد الديمقراطية , أو تحلم بها , أو تتوهمها , أو تمارسها , على حسب إدعائها , هناك إغفال واضح لما تكتبه الأقلام الواعية , الساعية لتحقيق المصلحة الوطنية , حتى تحولت الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى مواقع غير مجدية أو مؤثرة.
لأن العديد من الأقلام إنطلقت في متاهات الكتابات الإنفعالية المتطرفة المشحونة بالطاقات السلبية , والدعوات المناهضة للحرية والحياة والوطنية الصحيحة , فراحت تكتب بمداد العدوانية والطائفية , والإنتقامية , وبأساليب غير معاصرة , وكأنها تتشاجر على صفحات الإعلام , وهذه الأقلام تسببت في إنهيار قيمة الكتابة ودور الصحافة في صناعة الحياة.
ذلك أنها لا تعي مسؤولية الكلمة , ومعنى السلوك الوطني , ولا تعنيها مصلحة الأمة أو المجتمع , بقدر ما تقوم بتفريغ ما فيها من الأقياح النفسية والسلوكية والعدوانية , فتجدها وكأنها دمامل ينبجس ما فيها فوق السطور.
ولا بد للأقلام المنورة المتعلمة الواعية الخبيرة المتمرسة , أن ترشدها إلى سواء السبيل , لأن ما تكتبه ضد المجتمع حكومة وشعبا.
ويتوجب عليها التصدي لكتابات السوء, التي تريد أن تحيل كل موجود فكري وثقافي ووطني إلى رماد.
لكن الحكومات الديمقراطية , معنية بالنظر فيما تكتبه الأقلام الموضوعية العلمية , التي تتصدى لحالة إجتماعية أو سياسية , وتضع الحلول الصالحة للمجتمع بكافة ألوانه وتنوعاته.
وهذه المقالات أو الدراسات صارت تحسب كغيرها , لإختلاط حابلها بنابلها.
وفي هذا خلل ديمقراطي أثيم , لأن الحكومات قد فقدت التواصل الحقيقي , ما بينها وبين أصحاب الرأي الرشيد والتصور السديد , ولهذا فهي تفقد أهم وأثمن وأعلم مركز إستشاري.
فالمقالات الرشيدة الرصينة الواعية الوطنية الصادقة الصالحة , يجب أن يؤخذ ما فيها من الأفكار والتحليلات والإستنتاجات والتوصيات بجدية وتفهم وتفاعل إيجابي.
ووفقا لهذا , فأن الحكومات تزداد إنغلاقا وإبتعادا عن التوصل لحل أية مشكلة , لأنها تضع نفسها في صناديق الدفاعية والإسقاطية والتبريرية , والهروب من الواقع الذي عليها أن تواجهه , لا أن تتغافل عنه وتنكره.

فهل أدركت الحكومات أهمية الأقلام الصالحة لبناء العقل والروح والبلاد, أم انها حكومات لا تقرأ , ولا تميز الغث من السمين؟!!