الدعوة الاخيرة التي كررها جو بايدن قبل ايام بشأن تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم سني وشيعي وكردي ، ليست جديدة وانما اطلقها منذ سنوات ، كما ان جميع المسؤولين على علم بها، اما الجديد الذي احاط بتصريح بايدن فهو عدم الاحتجاج عليه او رفضه ، سوى ماجاء في اعلان يتيم ادلت به السيد ة عديلة حمود المقررة في لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية بقولها : (ان اللجنة تعتبر تصريحات جو بايدن بخصوص مشروع انشاء الاقاليم تدخلا في الشأن العراقي الداخلي.) راجع الرابط الخاص بالتصريح اسفل المقال. الغريب ان مثل هذا التصريح الضعيف جدا وصمت المؤسسات العراقية مثل وزارة الخارجية ، رئاسة الجمهورية ، رئاسة الوزراء ، رئاسة مجلس النواب .. الخ له دلالة واضحة على القناعة بهذا الرأي او بهذا الذي يقدمه جو بايدن على طبق من ذهب الى من طالب سابقا بتقسيم العراق واعلن ذلك في اكثر من محفل ، كتصريح النجيفي قبل عامين في لندن حول اقامة الاقليم السني على سبيل المثال . ان عدم استنكار المؤسسات الكبرى في العراق لتصريح بايدن يحمل مؤشرات واضحة على وصول ازمة الحكم في العراق الى طريق مسدود والتي لا تتمثل في الخلاف بين المالكي والنجيفي فقط ، وانما في الخلاف الاكبر بين اقليم كردستان والحكومة المركزية ، والاساس في هذا الخلاف عدم تطبيق المادة 140 التي اقرها الدستور وتعطيل العمل بها لسنوات اثمرت في تراكمات نجد تجلياتها واضحة في تعقيد موضوع تقاسم الثروة واعادة الحقوق المغتصبة لاصحابها سواء الاراضي التي نهبها النظام السابق من المواطنين او المدن التي الحقها بمحافظات اخرى او الارواح التي ازهقها في انفاله ومقابره الجماعية وغير ذلك من عبث في مقدرات الوطن و المواطن . إن اعتماد الحكومات العراقية المتتالية ، سواء قبل التحرير او بعده ، على غمط حقوق المواطنين ونهب ثروات البلاد ، وشيوع الفساد والرشوة ، عوامل مساعدة في التوصل الى قناعة تقسيم البلاد الى اقاليم متصارعة لن يستفيد منها أحد ، ولن تخلف سوى المآسي لابناء الشعب الذي ذاق وما زال يذوق الويل والعذاب على ايدي حكام لا يعرفون غير مصالحهم الانانية الضيقة التي لا تشبع من جشع المال والسلطة ، رغم ادعاء تمسكها بالدين والاسلام وتراث ال البيت ، ولكن المواطنين اكـتـشـفـوا كذب هذا الادعاء ، ولذلك سيمر التقسيم مرور السكين في الزبدة ، ولن يكون هناك من يعترض عليه مثلما لم يعترض الناس على قوات التحالف التي تدفقت على بغداد لتدحر الطاغية وعصابته الظالمة ، فلم ينصر الطاغية أحد ، وانما ظل المواطن يتفرج بشماته على نهاية الطغاة وهروبهم المخزي . كيف يستطيع رئيس الحكومة او رئيس مجلس النواب او رئاسة الجمهورية الصمت على مثل هذا التصريح الذي ادلى به السناتور جو بايدن مؤخرا ان لم يكن الجميع على قناعة تامة بصواب رأي السيد بايدن !!! ان مثل هذا التصريح لو جاء بحق دولة اخرى مثل دولة جزر القمر لكانت تظاهرات الاحتجاج الجماهيري والرفض الرسمي المعبر الحقيقي لرفض تقسيمها ، ولكن في العراق اصبحت الدولة العراقية دولة فاشلة بمباركة اركان الحكم الجهلاء والمتشبثين بمصالحهم الانانية وانشغالهم بسرقة ونهب المال العام واعتماد الرشوة والفساد اساسا للتعامل مع المواطنين لذلك فان التقسيم هو الحل الطبيعي لهكذا فساد لامثيل له في العالم ، وليس عبثا ان يتسلق العراق اعلى درجات سلم الفساد في البيانات العالمية . ليس من شك هناك من يخلط بغباء بين مشروع تـقسـيم العراق ومشروع فيدرالية اقليم كوردستان ، ان اقليم كوردستان له سماته الخاصة التي تؤهله ان يصبح اقليما فيدراليا تتطور علاقته مع المركز لفائدة العراق ، بشقيه الاقليم الكردي والمركز الذي يمثل باقي العراق بعربه وتركمانه وكورده وغيرهم من طوائف وقوميات ، وان حق تقرير المصير للشعب الكوردي الذي تأجل طويلا لا يعني تقسيم العراق وانما تحقيق هدف الشعب الكوردي المشروع ، اما تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم فهو مشروع اخر لا ينتج سوى المشاكل المستعصية التي تزيد على ما موروث وما استجد من مشاكل بعد سقوط نظام الطاغية ، لذلك فان القبول بتقسيم العراق في الوقت الحاضر لن ينتج سوى المزيد من الاشكالات امام المواطنين الذين لم يجدوا بين ايديهم دولة ولا حكومة ، سوى مجموعة من اللصوص الذين ينهبون ثروات البلاد ويدمرون مقوماتها بممارسة الارهاب وتدمير الزراعة والثروات المعدنية والمائية ، حتى ان الجفاف الذي يهدد البلاد لا يجد مساحة من اهتمام المؤسسات الحكومية الغارقة في الجهل والفساد . في النتيجة ان رأي بايدن بتقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم ليس اقتراحا من فراغ وانما رؤية لما يشاهده اي سياسي يمعن النظر في قسوة الصراع في العراق ، وشدة الخلاف بين مكوناته واساليب الحكم البالية التي تمارسها جميع القوى السياسية التي تحفر قبرها بايديها . |