راهب بني هاشم

 

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمه هي: السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري وتكنى لؤلؤة.
وهو من أعلام الاسلام فهو سابع أئمة الشيعة الإثنا عشرية وأحد العلماء المشهود بفضلهم عند السنة، ابوه جعفر الصادق احد كبار فقهاء المسلمين ، كنيته أبو إبراهيم وأبو الحسن، ولقبه الكاظم والعبد الصالح[1].
يشكك البعض في عداوة هارون الرشيد للإمام(عليه السلام)، فما الذي يجعل الحاكم العظيم في نظرهم يحبس ويعذب رجل عابد، والبعض يدعي أن الامام كان يتآمر على حكم هارون، لذا فحبسه كان تصرفا عاديا من هارون.
وما يفند هذه الإدعاءات أنه ليس هارون وحده من كان يطارد آل البيت، وإتباعهم ويضيق عليهم الخناق بل كل بني العباس ومن قبلهم بني أمية.
فبالنسبة للإمام فقد طوى عليه السلام عشر سنواتٍ من إمامته في عهد المنصور، وكانت من أقسى أيام حياته، وأشدّ أيّام الإسلام ظلاماً وشدّةً، فقد كان المنصور يلقي القبض على أصحاب الإمام مجموعةً بعد أخرى، ثم يقضي عليهم بعد أن يسومهم صنوفاً من التعذيب، ويدفن أجسادهم في السّجون سراً، وقد أكتشف الأمر بعد موته، إذ فتحت السّجون، وعثر فيها على الجثث والعظام، وعرف الناس ما أرتكبه هذا الطاغية من مظالم، في تلك السجون الرهيبة.
وبعد هلاك المنصور خلفه أبنه المهدي العباسي و حاول المهدي مرّة مضايقة الإمام عليه السلام، فاستدعاه إلى بغداد، ورمى به في السجن لكنّه بعد حلم مرعب أبصره في إحدى الليالي، سارع إلى إطلاق سراحه، وعن هذا الموضوع حدث عن الفضل بن الربيع ، عن أبيه قال : لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم عليا يقول : يا محمد : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ؟ قال الربيع : فأرسل إلي ليلا ، فراعني ، فجئته ، فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا . وقال : علي بموسى بن جعفر فجئته به ، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال : يا أبا الحسن :إني رأيت أمير المؤمنين يقرأ علي كذا ، فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ؟ فقال : لا والله لا فعلت ذلك ; ولا هو من شأني ، قال : صدقت ، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ، ورده إلى أهله إلى المدينة ، فأحكمت أمره ليلا ، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق . [2]
وهذا يثبت ان الموضوع لا يتعلق بهارون الرشيد وحده كما يفند نظرية التآمر، لأن الإمام (عليه السلام) اقسم بالله للمهدي أنه لن يخرج عليه ولا على أحد من ولده وحاشاه عليه السلام أن يحنث بيمينه، إذا ما السبب؟
السبب واضح للعقلاء وضوح الشمس وهو كره أهل الباطل للحق وأهله، فهارون يعلم أنه على باطل لهذا فهو كان يحقد على الامام ويكرهه لأنه يعلم علم اليقين أنه على حق، وكان يتمنى أن يقبل (عليه السلام) ولو بجزء يسير من الباطل لكان رفع منزلته وأغدق عليه النعم، ولكن هيهات هيهات فليس من أهل بيت النبوة من يبيع دينه بدنياه.
أمر هارون بالقبض على الإمام خفية وإيداعه سجن البصرة ، غير أنّ والي البصرة ويدعى عيسى بن جعفر، عامل الإمام معاملة حسنةً، لما رآه من صلاحه وتعبّده وتقواه، ولمّا علم الرشيد بذلك أمر بنقله إلى بغداد، حيث أودعه في سجن الفضل بن الربيع البرمكي.
قضى الإمام في سجنه الجديد مدّةً طويلةً، غير أنّ الفضل بن الربيع لمس هو الآخر ما يتمتّع به الإمام من عظمةٍ، فصار يعامله بإحترامٍ شديدٍ، وأمر بنقله إلى منزلٍ جيّدٍ، كما أمر بتخصيصه بأجود أنواع الطعام، واستطاع الإمام أن يتّصل بلفيف من أنصاره ويجتمع بهم في هذا المكان، كما استطاع أن يغادر المنزل أحياناً، ويقوم بجولاتٍ في المدينة يعود بعدها إلى مكان إقامته.
خاف الرشيد من اتّساع شهرة الإمام ومن التفاف الناس حوله، فأمر بنقله إلى سجن السنديّ بن شاهك، بعد أن أوصاه بالقسوة عليه.
و بعث موسى الكاظم(عليه السلام) إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون . [3]
ولم يطل الأمر بعد أن كان الإمام قد أمضى في سجون الرشيد ما يقارب عشرين عاماً - حتّى أصدر الرّشيد أوامره الى السنديّ بن شاهك، بأن يدسّ في طعام الإمام حبّات من التّمر مسمومةً وهكذا كان، وقضى الإمام عليه السلام شهيداً بالسّم، وأصدر فقهاء القصر وأطبّاؤه شهادتهم بأنّ الإمام توفي بعد إصابته بمرضٍ طبيعيٍّ، وليس لموته أي سبب آخر. [4].
يوم تشييع الإمام موسى الكاظم عليه السلام) يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الطبقات إلى تشييع ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين، على اختلاف طبقاتهم يتقرّبون إلى الله جل جلاله بحمل جثمان سبط النبي (صلّى الله عليه وآله)، سارت المواكب تجوب الشوارع والطرقات وتصرخ ملتاعة حزينة.
فقد خرج كبار الموظفين والمسؤولين من رجال الحكم يتقدمهم سليمان وهو حافي القدمين، وإمام النعش مجامير العطور،وقد حمل الجثمان على الأكف محاطاً بالهيبة والجلال، جيء به فوضع في سوق سمي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس بناء لئلا تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له. [5]
وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن [6]وقد ساد عليهم الوجوم والحزن، وخيم عليهم الأسى من هول المصاب.
أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس وهي تتسابق على حمله للتبرك به، حفر له قبر في مقابر قريش، وأنزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوى، وبعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبلت إليه الناس تعزيه وتواسيه بالمصاب الأليم.
ما أن دفن الإمام (عليه السلام) حتى صار قبره الشريف مزاراً ومشهداً ، وتوافد أولياؤه من الشيعة وكذلك كبار علماء السنة وأئمة المذاهب ، لزيارته والصلاة عنده والتوسل به الى الله تعالى، وعرف (عليه السلام) بعد وفاته باسم: باب الحوائج .
واتفق علماء المسلمين على علمه وفقهه وكراماته حتى بعد موته، فقد اخذ عنه ابو حنيفة وكان عليه السلام صبيا صغيرا [7]
وحكي أنه مُغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه ، وأخذ جليداً فأذابه بدواء ، ثم أخذ ماء وعقده بدواء ، وقال:هذا الطب ، إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك !
فقال الخليفة: عليَّ بموسى بن جعفر، فأتيَ به فسمع في الطريق أنينه فدعا الله سبحانه وزال مغص الخليفة ، فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول بمَ دعوت لي؟ فقال (عليه السلام) : قلتُ: اللهم كما أريته ذل معصيته ، فأره عز طاعتي »[8]
وقد اشتهر عن الإمام الشافعي أنه كان يزور قبر الإمام الكاظم (عليه السلام) ويقول: ))قبر موسى الكاظم ترياقٌ مجرب لإجابة الدعاء. [11] [10] [9] ((
وعن إمام الحنابلة في عصره الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول:(( ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به ، إلا سهل الله تعالى لي ما أحب)) [12]
وغيرهم الكثيرين، فلا يكاد يخلو كتاب من أصول الكتب من ذكر الإمام الكاظم عليه السلام ومع ذلك فإلى وقتنا الحالي هنالك من يمجد هارون الرشيد ويذكر حروبه وغزواته كمناقب ولا ينتقد مفاسده، ويتناسون ذكر الإمام حتى لا يكون ذكره مثلبة على هارون!!
فهؤلاء هم من باعو دينهم بدنيا غيرهم، فهم يرون الإسلام دين حرب وغزو وليس دين قيم ومبادئ، ولم يفقهوا القرآن وما ذكر فيه عن مصير الطغاة وأتباعهم ونسوا قول اصدق الخلق محمد(صلى الله عليه واله وسلم ):((أنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق))
فسلام عليك أيها المظلوم يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تيعث حيا.
1- ميزان الاعتدال\\الذهبي\\ ج 4 ص 202
2- سير اعلام النبلاء،الطبقة الخامسة،الذهبي،ص273
3- سير اعلام النبلاء،الطبقة الخامسة،الذهبي،ص274
4- عيون الأخبار.
5- الأنوار البهية، ص99، وجاء فيه أنه حكى عن صاحب تاريخ مازندران أنه قال في كتابه: إنه مر بذلك المكان عدة مرات وقبل الموضع الشريف.
6- باب التبن: اسم محلة كبيرة كانت ببغداد تقع بإزاء قطيعة أم جعفر وفيها قبر أحمد بن حنبل وهي قريبة من مقابر قريش جاء ذلك في معجم البلدان، ج2، ص14.
7- أضواء على عقائد الشيعة الإمامية ، الشيخ جعفر السبحاني،ص188
8- مناقب آل أبي طالب:3/422
9- كرامات الأولياء للسجاعي/6
10- الرسالة القشيرية لابن هوازن/10
11- البصائر/42 لحمد الله الداجوي الحنفي
12- الخطيب البغدادي في تاريخه،1/133