شهيد الطفولة (مريم).. اصبحت عنوانا وصرخة..!!

 

بلا شك ان الكتابة عن الشهيدة (مريم) ليست ككل الكتابات ، لان (مريم) ليست بنجمة سياسية لا تخرج من بيتها ومكتبها الا ، وترافقها رجال مدججون بالسلاح والعتاد وسيارات مصفحة تجنبها خطر الموت والهلاك على يد من اتخذوا من الموت والدمار عنوانا لهويتهم القذرة..
مريم كانت طفلة عراقية تشبه كل اطفال العالم ، لها حلمها الوردي الجميل . الذي تسهر كل الحكومات في العالم على تحقيقه ، دون ان تجعل من الانتماء الديني والمذهبي عائقا ، أو من اللون والجنس حاجزا بوجه امنيات الطفولة ، التي غادرتها اطفالنا بعد ان يأسوا من ان الطفولة في العراق اصبحت هدفا مباشرا للعقليات المنضوية تحت راية الشعارات المستهلكة والفاسدة ، ولهذا فحين نجد الطفولة في العراق ، وهي تموت بصمت لا نستغرب ، لان القائمين على ادارة البلاد لا يدركون معنى الطفولة بكل معانيها الانسانية والثقافية ، ولا يحلمون مثل ما يحلم الطفل ان يجد في صباحه الباكر تغريدة العصافير التي تنشدهن منذ ساعات الاولى لصباح جديد انشودة لوطنهن ، وكل واحدة منهن تتطلع ان تكون غدها الاتي احلى واجمل...
لذلك فانه من الطبيعي حين لا يحلم الكبار كما تحلم الطفولة ان نجد امثال تلك الاقزام تسرح وتمرح وسط دور الحضانة ورياض الاطفال ، والمدارس والمساجد لتمد يدها الاثمة باتجاه اغتيال الطفولة وقتل الامنيات في مهدها لكي لا تكبر وتنمو وتصبح خطرا على وجودهم . .
موت الطفلة مريم بهذه الصورة المرعبة وهي تعيش احلامها هو امتداد لموت الطفولة في العراق ، الذي اقحمه قساة القلوب وفاقدي الضمير في قائمة الموت العراقية لكي يصبح العراق بلا طفولة وبلا مستقبل منشود ، وهو يعيش كارثة انسانية حقيقية تفوق الوصف بكتابتها على الورق ، فالصورة مؤلمة في كل بيوتات عراقية قديمة ومناطق شعبية تحصد الموت البشع بين الحين والاخر فلذة اكباد ساكنيها المحرومين من أبسط سبل الترفيه وساحات اللعب الخاصة بهم ، فيلجئون ببراءتهم الطفولية الى الازقة والشوارع ، دون ان يدركوا الموت الذي يتففن به محترفوه لا يفرق الصغار عن الكبار ،ولربما ان الصغار هم الاخطر في عقليتهم الفاسدة التي نشأت على الجريمة واغتيال طيور الجنة ...
ولهذا فان الكتاب الذين جعلوا من مريم الشهيدة عنوانا لصرختهم ، كانوا يدركون ان الطفولة في العراق تعيش اشد حالات الهذيان ، في وقت والارهاب في العراق تحول الى تجارة بشعة ، والخوف من انتشارها تبقى قائمة ،ما دامت الدولة لا تبدي اهتماما واضحا بهذه الشريحة المستقبلية التي تدفعها العوز والحرمان للبحث عن وسيلة تغنيها عن الحرمان من ابسط مقومات الحياة ، منذ تأسيس الدولة العراقية والى الآن ، بدليل ان اباءنا الذين عاشرو تلك الفترة ، وعاشوا الفترة الملكية كانوا أميين يجهلون القراءة والكتابة بسبب حرمانهم من التعليم عندما كانوا صعارا، وانشغالهم بمساعدة اباءهم من اجل توفير لقمة العيش ، واليوم ما يعانيه العراق هو جزء من عملية تكرار لتلك الفترة الزمنية ، لدفع الطفولة في العراق مجددا الى المتاهات والضياع على غرار ما كانت يعانيها اجيال تلك الفترة السحيقة من تاريخ العراق ، خصوصا بعد ان اضافت اعداء الطفولة لها المشاهد الدموية كالتي نشهدها عقب كل جريمة ارهابية جبانة يرتكبها فلول التنظيمات الارهابية ليتلذذوا بأجساد تتمزق واشلاء تتناثر ، مستغلين ضعف الدولة وفشلها في توفير الحماية اللازمة لمواطنية ان كانوا صغارا او كبارا ، وكان ذلك فرصة لخلايا التكفير والاجرام ان تعد عدتها باتجاه المزيد من القتل وحصد الارواح دون تمييز ...
ومن هنا فان الكلمات التي ننثرها بأسف على موت الطفلة مريم تبقى محصورة في دائرة الحزن والاسى بعد ان اشتدت رحلة الموت لأطفالنا دون استئذان ، وهم يغادروننا دون موعد الى حياتهم الابدية التي لم يعرفوا عنها شيئا ، كما نعرفها نحن الكبار ، وكم هي قاسية ، وكم هي مؤلمة عند الاباء والامهات خصوصا حين تعود بهم الذاكرة لحركاتهم الطفولية البريئة داخل البيت كل صباح ومساء....
الا ان مسلسل الاجرام لا يمكن لها ان تدوم ما دامت الصرخات الوجدانية تخرج من هنا وهناك التي تطالب بوقف حد لمعاداة الطفولة ، وابعادها عن دائرة الصراعات السياسية والدينية ، وعدم حشرها في الخلافات لتكون ضحية للاجتهادات ، لكي تبقى نقية ببراءتها وتعيش بأحلامها الوردية بعيدا عن الخوف والفزع....
طوبى لشهيد الطفولة مريم ، وقد اصبحت عنوانا وصرخة....