وللفاسدين تقواهم ايضاً ... ارجو ألا يُساء فهمي, فالعنوان مأخوذ من الواقع العراقي الزاهي بمفردات التقوى, حكومتنا للمصالحة والشراكة والمقبولية (الوطنية !) تتصدرها احزاب اسلامية مطرزة بالإيمان والأمر بالمعروف ومخافة الله والقناعة كنز, كما نراها ماءً زلالاً فجّره الأحتلال مستنقعاُ آسناً لرذائل الفساد
.
الفساد الحكومي الراهن, كالفاسد من داخل كلس البيضة, لا يمكن معرفته الا اذا كُسر وانبعثت من داخله ما تشمئز النفس منه, الطبقة الحاكمة في العراق, والفاسدة من بابها الى محرابها, تُغلف نفسها بكلس من الموروثات, يلتف حول عنق الوعي المجتمعي قبضة من الجهل والأنحطاط, انها محنة تاريخية مشرعنة بقيم لا قيمة لها وعقائد ومعتقدات وجدت لها اوكارا في خرائب العواطف والضمائر, حتى اصبح من العسير كسر كلس العادات والروتين وعبودية التطبع من حولها
.
الوطن والقيم الوطنية, الأنسان والقيم الأنسانية, اصبحت مكبوسة داخل كلس الفساد الشامل لأحزاب الأسلام السياسي كما هو العفن من داخل البيضة الفاسدة, ولا غرابة ان ينطق الفساد من داخل بيضة المنطقة الخضراء, بالوطنية والأنسانية والنزاهة والعدالة وبهلوانيات ما انزل الله بها من سلطان ما دام مسيجاً بكلس اصوات الملايين من الناخبين
.
لو كسرنا بيضة العملية السياسية وخرج منها صديد حكومة الصفقة للمصالحة والمقبولية والشراكة الحقيقية, لتقيأت الضمائر السليمة وانتحر الشرف السوي وهما يواجهان الكريه المرعب لأحزاب الأسلام السياسي والتطرف القومي, انه الفساد يعطر فضلاته ويبتسم ساخراً من الهاتفين من حوله (بثقتنا واصواتنا ننتخبك يا فساد) ثم يقتنع ونقتنع معه على انه منتخب من قبل الشعب ولا ننكر عليه حصته من ديمقراطية الفرهود الشامل, لو وضعنا تلك الأحزاب والأئتلافات والتحالفات تحت مجهر الوطنية العراقية, سنرى جينات ارهاب داعشي ناشطة من داخل قشرتها
.
لا نلوم من تم افساده او كان فاسداً اصلاً, النفوس التي تعاني حالة انهيار ذاتي اذا ما غرست جذورها في مستنقع فساد لا تجد مقاومة او روادع اخلاقية تحول بينها وبين السقوط, عتبنا المنكسر على صخرة بؤس ردود افعال الرأي العام والمزاج الشعبي والحراك المجتمعي, وانفعالات الحرص على مستقبل المصالح الوطنية, او جاهزية تمنع من ان تكون اصوات الملايين عجينة كلس يغلف فيها فساد الفخامات والدولات والسماحات والسعادات اصبح لا معنى له, من فقر الناس وجهلهم وتدهورهم المعنوي والصحي والنفسي والقيمي, شيد من هب ودب من حبربشية حكومة المصالحة والمقبولية والشراكة الحقيقية, امبراطوريات عملاقة من المنقول وغير المنقول قد تجاوز ارتفاعها ناطحات السحاب للأرصدة العالمية العريقة, حدث هذا خلال عشرة اعوام فقط, انها قفزة الألف متر لأصطياد الملايين الضالة في صحاري قطاع الطرق
.
بسيف الفسالد قطعت حكومتنا المنتخبة لسان السؤال الوطني "من اين لك هذا" وذاك الذي بأسمائهم واسمائهن وثمن اعادة اصلاح صورتهن, حكومة تغرد (تعوعي) الفضائل والتقوى كديكة تتجاهل القذارات التي تقف عليها, كل منهم ينسى (اناه) التي خرجت من تلك البيضة حتى وان اصبح رئيساً او نائباً او اي مسؤول يتمرجح على المقعد الوفير الذي تركه صدام حسين بعد ان استقر في حفرة الذل والنذالة, الفاسد: قذارة خيانة للشرف والضمير والأخلاق ثم الأسرة والتمدد لصوصية ورشوة واختلاس داخل المجتمع, ثعبان مستحقر لا يملك من التمساح الا دموعه
.
دعونا نسافر عودة لأربعة عشر قرناً في التاريخ البدوي للأسلام السياسي حيث النقطة التي انفصل فيها العراق عن ذاته مكفناً بحضاراته مدفوناً بعراقته اسم بلا مسمى, ثم نعود معه من نقطة الأنفصال الى يومنا هذا, سنعثر على الكاذب من تاريخنا والمشوه من حضاراتنا وندرك اننا الآن ليس الذين كنا, اربعة عشر قرناً لسطوة الأسلام السياسي تم فيها اعادة صياغتنا واستنساخنا حتى نسينا من نحن, صرخنا حتى تمزقت حناجر جينات تاريخنا الحضاري واحياناً نُخنق اذا ما غردنا ردة فعل عراقية, اصبحنا نتاج ثقافات مشوهة وقيم مزورة وشرائع خادعة وتطبعنا على ما هو ليس طبعنا, لقد تعفن العراق في كهوف من الجهل والتخلف والأنحطاط, تل من الرماد على ظهره حرائق التجهيل والتضليل والشعوذات الأنيقة
.
الأسلام السياسي, هو من طعن علياً وشتم الصحابة وقتل الحسين ونكل بأحفاد نبي الأسلام, وهو من يفجر الأضرحة وبيوت العبادة والمعالم الأثرية, تاريخ من الغزوات وثقافات الأذلال والسبي الجمعي, الآن يمثل على مسرح الجرائم فصول دامية في ليبيا وسوريا والعراق, وذاته الذي يسكب دم الحسين في ارصدة اللصوص, من يبذل جهداً في ادراك حقيقة الأسلام السياسي, لا يمكنه ان يتجنب واحدة من ثلاثة نهايات ــ مواقف ــ فأما ان يصبح داعشياً او يتراجع لا دينياً او يلعب دور الوسيط المحتال على حساب العواطف النبيلة والعفوية الساذجة وعمق الجهالة والغيبوبة للملايين من (ولد الخايبه).
نظام الأسلام السياسي القائم والقومي الذي سبقه, وجهان لعملة انهيار الدولة والمجتمع, وكذلك المتبقي من القيم والتقاليد والأعراف التي كانت يوماً عراقية, انهيارات فساد وارهاب ورذائل مفجعة, وقبل ان نصبح ديناصورات تعلق هياكل نهاياتها الى جانب الأرث الحضاري لأجدادنا, يتوسطها سهم ذو اتجاهين يشير الى (من هنا ابتدأت حضارات العراق, وهنا مع الأحفاد انتهت) علينا قبل النفس الأخير ان نهتف منسجمين ونرمي الألام منسجمين وننهض مبكرين فبعد الفجر تموت الأحلام, لا يهم ان نكون مسلمين مسيحيين ايزيديين وصابئة مندائيين او يهود, فتلك كانت جماليتنا الحضارية عبر التاريخ, فقط علينا ان نصفق وننشد موحدين ـــ اننا عراقيون ـــ
مقالات اخرى للكاتب