حدث هذا في أمريكا قبل فوز دونالد ترامب ، وحدث في فرنسا ودول أوربية اخرى قبل مفاجأة تصعيد اليمين المتطرف ووصول مارين لوبان كثاني متنافس على كرسي الرئاسة بباريس . ذئاب بشرية منفردة لا يُعرف منبعها الحقيقي ، تقوم بعمليات دهس وطعن وقنص وتفجيرات محدودة الخسائر ومحسوبة بدقة ، وبعد دقائق قليلة من وقوعها ينتشر بقوة خبر مسؤولية داعش ابنة القاعدة عنها ، ومصدر الخبر هو عبارة عن موقع الكتروني بائس بمقدور أي عامل فني انشاءه وحشوه بعلم وثقافة داعشية متوفرة جدا على محرك البحث والعم غوغل العظيم . ثم يبدأ العزف الجماعي لسمفونية ان العرب والمسلمين الآخرين هم ارهابيون وقتلة وينبغي طردهم ورميهم خارج المضيف . شخصياً أتوقع عمليات من هذا النوع ستقع قبل يوم واحد او اثنين من الليلة الباريسية المنتظرة قد تعين لوبان في الوصول الى قصر الأليزيه .
يساهم في هذا العزف والتهويل المريب ، الجيش الألكتروني الافتراضي الفيسبوكي ، وهو ألعن وأضرّ وأشرس من الجيش التلفزيوني الحقيقي . الأول ينشر الأكاذيب ويفبرك القصص من دون خوف من محاكمة وعقاب لأنه بنية فضائية غير مرئية تلبس قناع الأسماء المستعارة والصور المناسبة للتخفي المضمون ، والثاني لا يتورط كثيراً في التلفيق والكذب المفضوح ، لأنه يخشى السحل الى قفص الإتهام والغرامات الدسمة التي قد تقضي عليه وعلى شاشاته المرتزقة بالخيانة وبالإبتزاز . الإثنان خارجان من نفس بالوعة المرحاض الكوني .
لا أحد يتحدث مثلاً عن نظافة العراق من داعش وأخواتها بالرضاعة من نفس ثدي الشيطان ، قبل مجيء الوحوش الأمريكان وتدميرهم بلادنا وتحويلها الى أفسد وطن على سطح الأرض وزرع الطائفية المريضة التي أنتجت داعش وأخواتها . لا حديث يذكر عن الاف الجنود الأمريكان الارهابيين الذين تفننوا بتعذيب العراقيين وقتلهم والتلذذ بالتقاط صور تذكارية حتى مع الجثث الهامدة . شوفوا المشهد الموجع القائم حتى الآن في سوريا ، وكان بمقدور الأمريكان والأوربيين اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد في الشهور الستة الأُول من ربيع الجحيم ، لكنهم انتظروا حتى يرون مئات الاف الضحايا الشاميين وملايين المهجرين والمهاجرين ، وحتى تستمر سهرات الغزاة الاسرائيليين وهم يتفرجون من قمة الجولان على أهل الشام كيف يذبحون بعضهم بعضاً ، بل صاروا يقدمون وذيولهم في المحميات العربية ، خدمات مالية وتسليحية ودعائية حتى للتنظيمات الموضوعة على لائحة الارهاب .
أما نحن فمسؤوليتنا كبرى ونحتاج الى ثورة شجاعة ننظف بها ديننا السهل ، من كل الضلالات والخزعبلات والقصص التأريخية المثيرة للفتن والحرائق والتخلف والكراهية ، وبغير ذلك فان مسلسل الموت المجاني وضياع الأوطان سيظل حتى الانقراض الكبير .
مقالات اخرى للكاتب