يتناول هذا الكتاب الحادثتين اللتين تعرض لهما كتاب "ألف ليلة وليلة" وحكاياته في محاكمتين ؛ حيث كانت الأولي عام 1985 ، حين اتهم الكتاب وطولب بمصادرته، كما اتهم ناشره الأستاذ محمد رشاد- صاحب الدار المصرية اللبنانية ورئيس مجلس إدارتها- وطالب بمحاكمته أحد ضباط شرطة الىداب ؛ لأن صفحاته تتضمن ألفاظا مكشوفة وخادشة للحياء. وعليه فقد وضع الكتاب وناشره في قفص الاتهام أمام القضاء ؛ لتطالب النيابة- يومئذ- ليس بمصادرة الكتاب فحسب، وإنما بمحرقة في ميدان عام ليكون عظة وعبرة لغيره من الأعمال المنافية للآداب ، إلا أن القضاء العادل حكم ببراءة الكتاب وناشره.
وكانت المحاكمة الثانية عام 2010 ، حين اتهم اثنان من المحامين كتاب "ألف ليلة وليلة" بالتهمة نفسها- لاحتوائه علي ألفاظ مكشوفة خادشة للحياء- يخشي منها علي الشبيبة من البنين والبنات ، مع اتهام كل من رئيس مجلس إدارة هيئة قصور الثقافة رئيس تحرير السلسلة التابعة للهيئة التي نشرت الكتاب، والكاتب الكبير الأستاذ جمال الغيطاني بتهمة إصدارهما لكتاب علي هذا النحو، وعليه كانت المطالبة بمصادرة الكتاب ومحاكمة المسئولين عن نشره، ومرة اخري حكم القضاء ببراءة الكتاب.
ويأتي كتاب "محاكمة ألف ليلة وليلة" لسامح كريم ،وفيه اعتمد الكاتب علي وثائق وشهادات للمفكرين والعلماء والنقاد العرب والأجانب علي حد سواء ، مما يؤكد بصورة أوبأخري قيمة كتاب "ألف ليلة وليلة" وخطورة الاعتداء علي بعض ما جاء فيه. فقدم الفصل الأول منه تراثنا العربي بني العبثبه والحفاظ عليه والمثل أو النموذج في هذه الحالة كتاب "الف ليلة وليلة" ، واستعان فيه الكاتب بكتابات ودراسات سابقة من أساتذة ومحققي التراث وشراحه.
ويؤكد الكاتب أن العبث بالتراث العربي وعدم الحفاظ عليه يفرغ الأمة من ماضيها وحاضرها ليحل محلها ماض وتاريخ آخر. تفريغ الامة من ماضيها المتدفق في دمائها وارتباطها بالعربية والإسلام، ليزاحم هذا الماضي الفارغ بقايا الماضي المتدفق في ددمائها الحي الذي يوشك ان يتمزق ويختنق بالتفريغ المتواصل ، وتأكيدا لهذا التفريغ بالطبع ينشيء أجيالا تنتهك علاقتها التي تربطها بثقافتها العربية والغسلامية اجتماعيا وثقافيًا ولغويصا، تي يتم تفريغه تفريغا كاملا من تراثها كله؛ ليمتليء هذا الفراغ بعلوم وآداب لا علاقة لها بماضينا ، أو بمعني آخر لا علاقة لها بالتراث العربي، مع أن هذه العلوم والآداب والفنون التي جلببت لملء هذا الفراغ، إنما هي قشور ومقتطفات لا تُسمن ولا تغني من جوع. هي باختصار منا يذهب المخلصون لتراث هذه الأمة مقتطفات توهم النفوس الظامئة المفرغة بأنها بذلك الملء نالت شيئا يذكر، والحقيقة أنها نالت غذاء تعيش به كالموتي في صورة أحياء.
وتعرض الفصل الثاني لمأساوية محاكمة "ألف ليلة وليلة" عام 1985 ، ومعاملته بوصفه عملًا غير صالح يحاكم بتهمة الخروج علي الآداب العامة،
ويذهب الكاتب إلي أنه ينبغي للجميع أن يعلم أن اتهام كتاب"الف ليلة وليلة" هو اتهام صريح وواضح لواحد من كتب التراث التي تمثل تاريخنا وذاكرتنا ، وهل يرضي أحد باتهام تاريخه وذاكرته؟
ذلك لأننا حين نتهم تراثا يمثل هذه التهمة "خدش الحياء" ونحاكمه بعد ذلك ، فلن تنجو كتب كثيرة في تاريخنا العربي أو حتي الفرعوني.
كيف تفلت مثلا في التاريخ الفرعوني صفحات تتحدث عن علاقة الأخ بأخته وزواجه منها،أو أخري تتحدث عن الحب عند الفراعنة بألفقاظ تتطلب تعقيما علي ماتراه المفاهيم الضيقة؟.
وكيف يفلت كتاب سماوي مثل التوراة الذي يحدثنا عن الأب ، وكيف كان يتزوج ابنته والأخ كان يعاشر شقيقته ويتغزل بملامحها الجسدية؟.. وكيف تفلت كتب كثيرة في أدبنا العربي ك"الأغاني" للأصفهاني و"الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي و"لسان العرب" لابن منظور الذي يذكر كثيرا من العورات للشرح والتدليل و"طوق الحمامة" لابن حزم و"نزهة الجلساء في أشعار النساء"للسيوطي
وكيف يفلت فحول الشعراء العرب ، وفي مقدمتهم عمر بن أبي ربيعة ، وعمرو بن كلثوم ، وبشار بن برد، وجميل بثينة ، وأبو نواس، وابن الرومي وغيرهم؟
ثم كيف يفلت من الاتهام والمحاكمة شيوخنا وروادنا ممن احتفوا بالتراث العربي وقدموه للأجيال بعد ذلك، وفي مقدمتهم طه حسين والعقاد والمازني والخولي وأحمد أمين وهيكل وغيرهم.
وكيف يفلت من هذه المحاكمة عدد من الأساتذة التابعين، وفي مقدمتهم محمود محمد شاكر و؟إبراهيم الإبياري وزكي نجيب محمود وسهير القلماوي وشوقي ضيف وعبد السلام هارون؟
ثم كيف تفلت من تهمة خدش الحياء هذه كتابات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وغيرهم؟ المليئة بالإيحاءات الجنسية.
يتبعه الفصل الثالث الذي يعلن موقف علماء التراث من هذه القضية، وخصوصا رأي هيئة كبار علماء اللغة العربية ممثلة في رئيس المجمع ونائب الرئيس وأمين عام المجمع وأحد أعضائه البارزين، حيثاجتمع رأي الأمة وشيوخها وشبابها من المثقفين علي أمر واحد وهو عدم المساس بكتاب"الف ليلة و ليلة " وهذا هو المجمع اللغوي يجتمع علي رأي واحد- في صورة رئيسه ونائب الرئيس والامين العام وأحد الأعضاء البارزين وهم جميعا من أئمة تحقيق التراث العربي وشراحه – يناشدون بأن نرفع أيدينا عن "الف ليلة وليلة" فهي ليست ملكا لنا وحدنا بقدر ماهي ملك للاجيال من قبلنا ومن بعدنا، وانها ليست ملك لتاريخنا الحاضر بقدر ماهي ملك للاجيال من قبلنا ومن بعدنا، وأنها ليست ملك لتاريخنا الحاضر بقدر ماهي ملك للتاريخ ماضيه ومستقبله، وأنها ليست ملكا لأمة واحدة من الأمم الاسلامية العربية، ولكنها أصبحت ملكا للانسانية بوجه عام
ويستعرض الفصل الرابع علي كتابات رموز المثقفين والمتخصصين والأساتذة وموقفهم من محاكمة الف ليلة وليلة.
وممن كتبوا من المثقفين نقطتف بعد مما كتبه الدكتور أحمد كامل عبد الرحيم:"لقد كان كتاب "ألف ليلة وليلة" منهلا لا ينضب، ارتوت بأفكاره روائع الأدب الأوربي ، ولم تخرج علي لسان أي أديب أو مفكر أوربي كلمة جائرة في حق هذا الكتاب، لم يتعرض احد من بعيد أوق يب إلي هذه التهمة الموجههة إلي التراث الشرقي العربي، لأن المواقف البورنوجرافية لا تشكل أي اهمية في حياة الاوربي منذ أقدم العصور، فكيف يمثل الكتاب أمام القضاء ويطالب بمحاكمته، ومن الذي تقدم بعريضة الدعوي؟ صاحب الكتاب نفسه؟و متي؟ بعد ان أصبح الكتاب ليس ملكا له وحده بل يشاركه العالم أجمع ،ياله من موقف مأساوي ملهاوي!أو ما نسميه بتعبير آخر" تراجي كوميدي" إنني أشبه أنفسنا بالدب الذي قتل صاحبه . وإذا كانت هناك اتجاهات فكرية غيورة متهورة فإنها تمشي مع المثل العامي القائل" فلان جه يكحلها عماها" لأن الضرر سيلحق به وليس بغيره وسيفقد بذلك أرفع وسام شرف ادبي وضعه علي صدره مشاهير الادب والفكر في دول العالم المتحضر بأكمله، وكيف سيكون حكم الإعدام؟ رميًا بالرصاص ،أم شنقا ،أم حرقا ؟ وأين ستكون ساحة تنفيذ حكم الإعدام".
أما الفصلين الخامس والسادس فيقومان علي شهادات موثقة للمفكرين والعلماء العرب قديما وحديثا حول قيمة هذا الكتاب واهميته، والأمر نفسه قام به مفكرون وعلماء أجانب من طائفة المستشرقين، ممن كانت لهم اهتمامات واضحة في كتابابتهم بالثقافات الشرقية ومنها العربية ، وإلي جانبهم هؤلاء المبدعون وأصحاب الدراسات الأدبية والنقدية الذين تأثروا بأسلوب"الف ليلة وليلة".
ومن شهادات المفكرين العرب شهادة الدكتورة سهير القلماوي نقتطف منها:"أثارت ألف ليلة وليلة بعد أن نقلت إلي لغات الغرب شغفا في نفوس الغربيين بجمع الادب الشعبي ودراسته علي نحو لم يكونوا قد بدءوا يحسون الحاجة إليه أو الحافز نحوه، ولكنها من ناحية أخري قد أثارت في نفوسهم التطلع إلي معرفة هذه الشعوب التي أنتجت هذا الأثر، والتي دارت حوادث الكتاب حولهم. ولسنا نبالغ إذا قلنا إن" ألف ليلة وليلة" كانت الحافز الأهم لعناية الغرب بالشرق عناية تتعدي النواحي الاستعمارية والتجارية والسياسية ، بل لسنا نبالغ إذا ارجعنا كثيرا من قوة حركة الاستشراق وانتشارها إلي ما ترك هذا الأثر في نفوس الغربيين . فقد تاق الادباء من قبل ظهور هذا الأثر قليلًا ومن بعده كثيرا إلي زيارة هذه البلاد الشرقية ، ثم دونوا رحلاتهم كتبا انتشرت ، فإذا المستشرقون بعد أن كانوا يكتفون بما يصل إلي أيديهم من كتب عربية أو كتب غربية عن الرحلات وبعض المسائل العلمية الشرقية ، يحاولون هم أنفسهم أن يزوروا هذه البلاد العربية خاصة والشرقية عامة ويتعرفوا علي لغاتها وعاداتها .
ولعل أبرز من اتصل ب"ألف ليلة وليلة" وعمل في هذا الميدان عملًا يظهر اتصاله القوي بموضوع الليالي هو المستشرق الإنجليزي المعروف إدوارد لين ، فقد زار الشرق ومصر خاصة وأقام فيها، لذلك عندما ترجم"الف ليلة وليلة" علق علي كل ماهو شرقي خاص فيها بكلام يفسره ويقربه إلي الغربيين ن وتضخمت تعليقاته وخرجت كتابا ، ولقد ألف هو نفسه في غير هذا ما كان نتيجة لزيارته البلاد الشرقية ،وألف غيره كتبا هي إلي التاريخ أقرب منها إلي الأدب ، في وصف ما يجد الغربي في الشرق من طريف وجديد
أما الفصبل السابع والأخير فقد تضمن المحاكمة الجديدة التي تعرض لها كتاب "الف ليلة وليلة عام 2010 والعودة إلي مصادرته علي الرغم من براءته قبل ذلك وحفظ القضية عام 1986
ويندد الكاتب بالاعتداء علي "ألف ليلة وليلة"، إذ أن السماح بذلك فسوف يسمح باعتداءات اخري ويأتي من يطالب ببمحاكمة بقية كتب التراث العرب المجيد ، والتهم جاهزة عند أصحاب العقول التي طالبت بمحاكمة الف ليلة وليلة حيث يجدون ألف مبرر ومبررر لطلب المحاكمة كأن يقال هذا كتاب يدعو إلي الفتنة ، وذاك كتاب يدعو إلي العنف والإرهاب والثالث يدعو إلي إفساد أخلاق الشبيبة إلي آخر هذه القائمة من الاتهامات التي سوف تقضي علي ما لدينا من تراث عربي نفاخر به الامم، وهو مالا يرغبه أو يتمناه أي عربي غيور علي ثقافته الأصلية.ويضيف " لئن فعلنا ذلك وسمحنا به فاننا نرتكب أكبر جريمة في حق تراث الأجيال ، وأن موقفنا لا يختلف كثيرًا عن الذين قاموا بالسطو علي هذا التراث منذ مئات السنين ، فالهدف يكاد يكون واحد سواء كان مباشرا أو غير مباشر وهو تفريغ الأمة من ثقافتها وتاريخها سواء بهذا العمل الذي يقوم به البعض من مصادرة أو محاكمة الكتب التراثية
مقالات اخرى للكاتب